جبل “عرودة”.. حكايات على ضفاف الفرات
في المدينة التي يعود تاريخها إلى الألف التاسع قبل الميلاد، توالت الحضارات عبر الزمن واندثرت، ليعاد رصفها قصصاً من حجارة قديمة لمكان حمل يوماً اسم “كالينيكوس” وتحول لاحقاً إلى “الرّقة” التي احتضنت الفرات وحكاياته الأثيرة.
من هذه الحكايات (الآثار) موقع يُعرف باسم “عرودة”، شكل نقطة وصل بين حضارات بلاد الشام وبلاد الرافدين، ودللّ على موقع الرقة الهام في فترات تاريخية متعددة.
يحتضن جبل “عرودة” معبداً مزدوجاً من عصر الأوروك، يعد من أقدم المعابد المكتشفة في سوريا، إلى جانب منطقة سكنية مهمة وبعض الورشات لإنتاج النسيج وطحن الحبوب تعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد.
وبحسب موقع “سورية السياحية” نقبت في الموقع بعثة هولندية بين عامي (1975- 1979)، وأشارت إلى أن سبب تسمية الموقع بـ”عرودة” أنه ينسب إلى رجل دين من الفترة الأيوبية يدعى الشيخ “عارودة”، مزاره في قمة الجبل، وهو يعود إلى الفترة ما بين 3500-3200 قبل الميلاد.
وأسفرت أعمال التنقيب عن مستوطنة ذات طابع خاص، إداري وديني وتجاري، أقامها السومريون القادمون من جنوبي “بلاد الرافدين” في نهاية الألف الرابع وبداية الألف الثالث ق.م في حوض الفرات، لتكون صلة وصل بينهم وبين بلاد الشام وبلاد الأناضول.
وتبلغ مساحة المستوطنة نحو أربعة هكتارات، واختاروا لبنائها منطقة جبلية غير صالحة للزراعة، ترتفع نحو 60م عن حوض النهر، وتشرف عليه وعلى جواره، حيث شيد مجمع معماري متكامل توسطه معبدان كبيران.
أُطلق على المعبد الأول اسم “المعبد الأحمر” وهو في حالة جيدة، والمعبد الثاني “المعبد الرمادي” الذي تخربت بعض أجزائه، وبُني هذان المعبدان وفق المخطط الرافدي المعروف من حضارة أوروك (الوركاء) الثلاثي الأجزاء.
والمؤلف من صالة مركزية كبيرة تحيط بها من الجانبين صالتان أصغر حجماً، وزُوِّد كل معبد بمحراب وأبواب عدة وأدراج، وزُخرفت واجهته بالأحجار الملونة “الموزاييك”، فكان ذلك أقدم استخدام للموزاييك عُرف حتى اليوم.
كما دعمت جدران المعبد بدعائم فصلت بينها أخاديد، أعطت البناء حركة وحيوية تكسر جمود الجدران وسكونها.
ويحيط بالمعبدين مجموعة من الأبنية السكنية الكبيرة التي بُنيت أيضاً وفق المخطط الثلاثي العناصر نفسه، وخُصصت لسكن شخصيات مهمة من الكهنة والقادة القائمين على إدارة المعبد وتنظيم أعماله.
واستخدم في بناء منشآت المستوطنة نوع جديد من اللَّبِنِ الصغير المربع، وطُليت الجدران والأرضيات بالملاط، ووُجدت ضمن أنقاض المدينة آثار كثيرة ومتنوعة.
من بينها الأختام الأسطوانية كبيرة الأحجام من الحجر والطين، وحملت أشكالاً هندسية نباتية وحيوانية وإنسانية كانت معروفة في ذلك العصر.
ووُجدت طبعاتها على اللوحات الطينية، وهناك الآنية الفخارية النموذجية من عصر أوروك؛ وأهمها ما يسمى بـ”الآنية الناقوسية” التي يُعتقد أنها مكاييل الحبوب الأولى.
وهناك الآنية ذات الشكل الحيواني وذات الوظيفة الجنائزية.
لكن الكشف الأهم هو اللوحات الطينية التي حملت إشارات رقمية وطبعات الأختام الأسطوانية، فكانت أقدم لوحات حسابية اسْتُخْدِمَتْ في الإحصاء، وكانت تلك المرحلة الأولى في ابتكار الكتابة وانتشارها لاحقاً.
ويعد موقع جبل “عرودة” إلى جانب موقعي “حبوبة الكبيرة” و”تل قناص” المجاورين، شاهداً على الأثر الاقتصادي والسياسي والديني المهم الذي أدَّته سوريا فيما بين “بلاد الرافدين” و”الأناضول” و”بلاد الشام” منذ الألفين الرابع والثالث ق.م.
يشار إلى أن موقع عرودة يقع على الضفة اليمنى لنهر الفرات، على بعد 80كم من مدينة الرقة.
تلفزيون الخبر