عشرات آلاف الإصابات على الحدود ..لماذا نسي السوريون خطر الكورونا؟
يحفل يوم السوري، بالعديد من التفاصيل التي يتآكل معها الوقت، فتحتل أزمات الكهرباء، البنزين، الحرائق و الغاز، والغلاء “مساحات واسعة” من تفكيره وحديثه، وحتى “منامته”، لدرجة أن “كورونا” تذيلت الترتيب في”مجموعة” الاهتمامات اليومية.
سوريا جزيرة محاطة بالوباء
و تبدو سوريا اليوم كجزيرة في محيط كبير، يعج بأرقام مرتفعة، ومتصاعدة لحالات الإصابة بفايروس كورونا، والذي مازال يضرب البشرية، منذ أواخر العام الماضي.
فبينما وصل عدد الإصابات “المكتشفة” بفايروس كورونا في سوريا إلى 4616 حالة، تسجل الجارة لبنان ذات ال 10452 كم مربع، أكثر من 52 ألف حالة، بزيادة حوالي 2800 حالة جديدة في ال24 ساعة الأخيرة.
وفي العراق وصل عديد الحالات إلى 400 ألف حالة، حيث سجل في عموم البلاد وبيوم واحد، يوم 9 تشرين الأول، 3214 إصابة جديدة مكتشفة.
أما الأردن فيشكل نموذجا “مرعبا” للسوريين، إذ تشير الأرقام الرسمية، بالنسبة للحالات المكتشفة، إلى إرتفاع عدد الإصابات إلى أكثر من 23000 إصابة، بزيادة قاربت ال20 ألف إصابة خلال أقل من شهر واحد.
وهذا مادفع السلطات الأردنية لفرض حظر تجول كامل يومي الجمعة والسبت، قبل أن تعيده جزئيا بدءا من ليل الأحد، في عودة لزمن الاجراءات الصارمة للوقاية من انتشار الفايروس.
ورغم أن الاعداد المسجلة بسوريا تبدو قليلة مقارنة بالجوار الإقليمي، إلا أن وزارة الصحة السورية كانت أوضحت في بيان سابق أن الأعداد المسجلة هي فقط للحالات التي أثبتت نتيجتها بالفحص المخبري، ويوجد العديد من الحالات اللا عرضية غير المحصاة، حيث يتعذر إجراء مسحات شاملة في الوقت الحالي، لضعف الإمكانيات المتاحة.
وما يثير القلق هو ما صرحت به منظمة الصحة العالمية التي أشارت إلى أن عدد الإصابات الكامل سواء مكتشفة أو غير مكتشفة، قد يكون 23 ضعف عن عدد الإصابات المكتشفة حول العالم، وبتطبيق القاعدة على سوريا، نجد أن الرقم قد يكون صادما.
غياب شبه تام للإجراءات ..
إلا أن ما يثير الاستغراب، هو أن من يمشي في شوارع سوريا، سيلاحظ غيابا شبه كامل، لأبسط الاجراءات الوقائية من انتشار المرض، فواحد من بين 10 أشخاص مثلا سنراه يرتدي الكمامة الواقية.
والحديث هنا ليس عن الاجراءات الحكومية المتبعة، والتي تم تخفيفها لحدودها الدنيا، أسوة بمعظم دول العالم، بل عن أساليب الوقاية الشخصية، من كمامة، كفوف، مطهر كحولي، عدم السلام باليد، والتباعد المكاني.
كلها أساليب وطرائق حضرت بقوة في الشارع السوري أواخر آذار مع تسجيل أول حالة إصابة في سوريا، وتحولت صفحات وغروبات الفيسبوك حينها، إلى “عيادة كبيرة”، تسابق إليها السوريون، ليتابعوا نصائح الأطباء حيال المرض، عبر البث المباشر.
الشارع يحكي ..
“لسا عم بسجلوا حالات عنا، كم إصابة صارو؟” يقول محمد “طالب في كلية التربية الرياضية”، ردا على سؤال تلفزيون الخبر، حول مدى اكتراثه الحالي بلإجراءات الوقائية، يقول:”التفكير بالمشاكل التي زادت في البلاد في الآونة الاخيرة، أبعد السوريين عن الانشغال بكورونا”.
وتابع محمد: “حافظت على النظافة الشخصية، وحاولت الابتعاد قدر الإمكان عن السلام باليد، هذا ما حافظت عليه من اجراءات الوقاية، فما نواجهه ربما اصعب من كورونا”.
ويقول عبد العزيز، موظف في محل أدوات كهربائية، لتلفزيون الخبر أنه توقف عن الالتزام بالاجراءات الوقائية منذ منتصف آب، حيث يرى أنه “إما أن ألتزم بكل سبل الوقاية من تباعد مكاني عام وفي كل الأماكن، وإما بلا “هالالتزام من أصلو”، هذا قرار فردي لم يرتبط بسلوك الناس المتراخي، وإن ارتفعت الأرقام مجددا لا سمح الله، سأعاود الالتزام”.
أما فاتن، معلمة ، فترى أن الناس مضطرة للتراخي، حيث تقول لتلفزيون الخبر “الناس عم تقعد فوق بعض بالمكرو، لأن مو قدرتن ياخدو تاكسي، والكورونا بتحضر ان غاب التباعد، فكيف بدها تلتزم الناس بباقي الاجراءات، وشو الفايدة منها، اذا بطلعة مكرو بتروح كل احتياطاتك؟”
وتتابع: “الواقع أصعب من اي قدرة على الإلتزام، والناس شافت انو غالبية اللي نصابوا بالمرض من معارفن تماثلو للشفاء، فصارو ينظروا للمرض أنو مو خطير، وتتراخى همتن بالالتزام بالوقاية”.
وقالت ناديا، مندوبة أدوية، لتلفزيون الخبر أنها “من الأساس لم ألتزم بالاجراءات الوقائية، فالمرض ما زال برأيي مجرد “الكريب”، والوفيات لا ترتبط بالكورونا، فأنا أعرف كثيرا من الناس، توفوا سابقا وقبل الكورونا، بسبب الكريب”.
وعلى عكس ناديا، فإن رنا، مديرة فرع لمنتوجات الحرف اليدوية، مازالت ملتزمة بالاجراءات الوقائية من كمامة، ومعقمات وغيرها، منذ اليوم الأول لانتشار أخبار المرض، وحتى يومنا هذا، من منطلق حرصها على صحتها وصحة عائلتها.
وقالت رنا لتلفزيون الخبر :”الناس تراخت بالالتزام بالإجراءات لوجود شريحة كبيرة ما تزال تعتبر الكورونا كذبة، كما أن غياب مصارحة الناس بحقيقة انتشار المرض، أسهم في تساهل السوريين مع تطبيق الاجراءات الاحترازية”.
ما راي الطب النفسي؟
من جهته قال الدكتور النفسي تيسير حسون لتلفزيون الخبر أن “تفسير تراخي السوريين عن الالتزام بطرق الوقاية، مرده على الأرجح أنهم وبغريزتهم لا يرون بكورونا خطرا داهما، فهم قد يصابون به وقد لا يصابون، وقد يتوفى المصاب بالمرض، وقد يبقى على قيد الحياة”.
وتابع الدكتور حسون: “الخطر الداهم بالنسبة للسوريين، هو مايمرون به من أزمات معيشية حالية، فمن يحترق بيته وهو فيه سيموت، ومن يفقد رغيف الخبز سيموت، هنا لا يوجد احتمالات كما كورونا”.
وأضاف الدكتور حسون: ” هنالك سبب آخر يفسر التراخي، وهو شعور الجمعي الآخذ بالانتشار في وجدان السوريين، نتيجة الظروف الحالية، والمتمثل بالعدمية الجماعية، حيث يتساوى في هذه الحالة عند الناس كل من الموت والحياة، تحت عنوان “ما رح يصير اكتر من اللي صار، ليش لخاف، خلينا نموت أريح من هالعيشة”.
ويرى الدكتور حسون أن “الطب النفسي لا يمكن أن يتدخل بالشعور الجمعي للمواطنين، قبل أن تتأمن لهم احتياجاتهم الأساسية البقائية من صحة وغذاء وسكن، واحتياجاتهم المرتبطة بالانتماء، فأي نصائح وأي توجيهات للالتزام بالطرق الوقائية، لن تكون ذات فائدة، ولن يصغي الناس لها، قبل توفير الاحتياجات الضرورية”.
يذكر أن عدد الوفيات بفايروس كورونا بسوريا بلغ حسب الاحصائات الرسمية حتى السبت 221 حالة، علما أن أول حالة مكتشفة في سوريا كانت منذ أكثر من ستة أشهر وتحديدا في الثاني والعشرين من آذار الفائت.
تلفزيون الخبر