سوريا والسوريون والمعاملة الخاصة
بالرغم من أن الفكرة ليست عادلة وغير ديمقراطية حتى، إلا أنها واجبة في عالم التسويق الحديث، حيث تنتشر هذه العبارة لتضخيم شعور الرضا لدى الزبون/ الضحية
فبدءاً من الحسميات لأصدقاء المرحوم، لأعضاء النادي، لأول مشترك أو لمن تبدأ أسماؤهم بحرف الألف، وهي تنطوي على ترتيب عددي أو طبقي يعطي الأهمية لرقم واحد مثلاً، على حساب الأرقام التالية، 52 مثلاً أو 674، هذه أرقام عادية لا تنطوي على أي ميزة تجعل لها حساباً ما تحت أي مفهوم.
سيمر الموظفون ويتجاهلونه، ستمرّ النادلة، شرطي المرور وآلة تنظيف الأكواب، لن يلمحوا رقماً مماثلاً ولن يعتبروه، ذلك أنه لا يملك ما يجعله يحظى بمعاملة خاصة.
في المدرسة، كنت أحسد الذين يبدأ اسمهم بحرف الألف كأيمن وأحمد وابراهيم، إذ كانوا يُمتَحنون باكراً، بينما “محمد” عليه أن ينتظر دوره طويلاً لدرجة أنه يفقد الاهتمام بالامتحان نفسه لكثرة الملل، كنت أظن أن أي “أحمد” هو أفضل مني بعشرات المرات، فقط لأن ترتيب اسمه يسبقني.
لاحقاً تأكدت من ذلك لكن فقط في حال كان يتبع اسم أحمد اسم عائلة من الأسماء الشهيرة في اللاذقية.
في طابور المؤسسات الطويل، أو على محطات الوقود، يحظى البعض بلقب “زبون خاص”، لأسباب اعتدناها، كأن يكون قريباً لـ “أحدهم” أو يعمل عند “أحدهم”، أو هو نفسه “أحدهم”، أي أن الصدفة البيولوجية البحتة، التي جعلت منه ابناً لفلان أو أخاً لعلان، تجعله متفوقاً على غيره.
البقية الذين لا يحظون بمعاملة خاصة يستطيعون أن يعضوا على أكمام ثيابهم وينتظروا دورهم.
“بلدنا تحظى بمعاملة خاصة”، تأتي الجملة في سياق تجاري بحت، حين تعقد الاتفاقات التجارية فتحظى البلدان النامية أو المتخلفة بوضوح، على معاملة تفضيلية خاصة، أي كأنها قاصر لا يجوز تطبيق القانون الآخر، الخاص بالبالغين، عليها، كأنها من ذوي الاحتياجات الخاصة.
ورغم ما في الكلمة من عسف إلا أنها تحيل أيضاً إلى شخص أقل من الطبيعي، لا يجوز تطبيق الأحكام التجارية الطبيعية عليه، وتلحق فكرة المعاملة الخاصة فكرة أخرى هي “الوصاية”.
بعد الحرب العالمية الأولى، قررت الأطراف المنتصرة، عبر عصبة الأمم طبعاً، تطبيق فكرة الوصاية على سوريا وغيرها من بلدان المنطقة، لأنها بلدان “خاصة” لا تعرف أن تدير أمورها بشكل طبيعي، قاصرة ولم تبلغ سن الرشد بعد، ويبدو أننا لن نبلغه قريباً، رغم أن أسنان سوريا قد سقطت منذ وقت طويل.
لطالما كانت سوريا صاحبة إعاقة والسوريون من ذوي الاحتياجات الخاصة، الاحتياجات التي تصنّف عند الدول الأخرى بالطبيعية لكنها في سوريا خاصة.
الحاجة إلى الصراخ، ارتداء الملابس المناسبة، الحاجة إلى الدفء، الشبع، الضوء، احتياجات خاصة للسوري وعامة واعتيادية لغيره.
في العقوبات الدولية تحظى سوريا بمعاملة خاصة وفي الحروب أيضاً، في المجاعات، في العطش، في انعدام الأمان، كأن الرب اختارها فقط من قائمة طويلة من البلدان لتحظى بمعاملة خاصة … في الجحيم.
محمد أبو روز – تلفزيون الخبر