يتمنى المرءُ في الصيف الشتاءَ.. عن “النق والسق” السوري
في إحدى الحكايات التي كانت ترويها الجدّات، ألقى ساحران “طيّبان” لعنة على سيدة عجوز تكره الشتاء والصيف، قائلة بامتعاض: “بالصيف حريق وبالشتي غريق”، بينما باركا عجوزاً أخرى، قالت إنها تحب كلا الفصلين، ومنحاها القدرة على طرح ليرة ذهبية مع كل كلمة تنطقها.
لابدّ أن ساحرا الحكاية ليسا إلا تجسيداً للفصلين الأشد في العام، واللذين إن غضبا ألقيا اللعنات، وإن رضيا أغرقا الأرض كرماً، ويبدو أنهما يصبّان الكثير من اللعنات على السوريين هذه الأعوام.
وكما جرت العادة، بعد أن أصبح “فيسبوك” الصندوق الذي ترمى فيه كل المشاعر والآراء و”الامتعاضات”، يحملّ السوريون “نقهم وسقهم”، في الصيف والشتاء على هذه الصفحات.
فتحفل أشهر البرد بمنشورات الغزل بالدفء وغضباً على البرد، وترتفع درجات حرارة هذه المنشورات صيفاً، حسرة على البرد الجميل!
“النق والسق”، ليست هواية يمارسها السوريون في أوقات فراغهم، أو رفاهية من ليس لديه شيء آخر يفعله، لكنها متنفس، غير كاف في أغلب الأحوال، للتعبير عن حال متردٍ يزداد سوءاً مع كل صيف أو شتاء جديد.
ولأنهم باتوا “يعيشون يومهم”، أو بمعنى آخر “يفكرون بهموم يومهم، فللغد همه الخاص”، إذ إن هموم الصيف من حرّ يكتم الأنفاس، وتقنين في الكهرباء والماء يزداد اطراداً مع ارتفاع درجات الحرارة، وحرائق تشتعل في الأحراج والغابات والأراضي الزراعية.
وطوابير لا تنتهي ببطاقة ذكية أو دونها، وحلول ترجعهم بثبات إلى الخلف، فيما يشاهدون العالم يتجه إلى الأمام.
يضاف إلى صيفهم فيروس جاء من أقاصي الأرض، ليكتم الأنفاس، فكيف بكل ذلك أن يمضي دون “بعض النق المشروع”؟.
اليوم، وفيما تعبر الموجة الأشد حرارة، يستذكر الكثيرون الشتاء بحنين من يفتقد صديقاً، سينقلب إلى عدو بعد بضعة أشهر، في جولات الحرب مع الحياة التي يخوضها السوريون في تكرار مقيت كل عام.
إذ صارت الأزمات المنتظرة محفوظة على اللائحة، وما اختلف هو فقط ما استطاعوا إليه سبيلاً من حلول استباقية جاءت من تجارب السنوات السابقة.
يتمنى المرء في الصيف الشتاء.. فإذا جاء الشتاء أنكره، يليق وصف امرؤ القيس هذا بالسوريين أكثر من غيرهم، ولو يعلم الشاعر المستنكر كم هم معذورون، ويتمنون “لو فيهم يخبوا شوية دفا للشتوية”، كما عبر أحدهم في “نقة” فيسبوكية.
ولو أراد السوري أن يكون “إيجابياً” ويترك النق المقيت، ويستمتع بالصيف الذي “كان للإجازات والرحلات كما يرد في مذكراته”، سيحول البحر إلى “وعاء كبير يملؤه بالمياه، في حال وجودها” ويصيّف في شاطىء شرفة منزله، مع كأس عصير بثلج “متخّيلّ”، لم يسمح التقنين بوجوده.
رنا سليمان _ تلفزيون الخبر