“الشنكليش” الذي صار يظن نفسه “غوردون بلو” في سوريا
منذ سنوات طويلة، لا يعرف أحد عددها بالضبط، تفنن أهل الريف السوري في اختراع مأكولات أساسها الحليب سواء من الماعز أو الأبقار، ومنها “الشنكليش” الذي كان صنفاً لا يخلو منه منزل ريفي، ويعتبر أكلة “الفقراء” المتوافرة والرخيصة، حيث تصنعه السيدات منزلياً.
وخلال السنوات القليلة الماضية، تحولت أكلة الفقراء مع ارتفاع أسعار الحليب واللبن ومشتقاته، حتى صارت من الكماليات التي يطلبها الميسورون من الناس، واختفت الأقراص ذات النكهة الفريدة المغطاة بالزعتر المدقوق عن موائد الفقراء.
ولعل العودة إلى طريقة صنع “الشنكليش” أو “السوركي” أي الشنكليش غير الناضج، تلقي بعض الضوء على سبب ارتفاع ثمنه بدءاً من الحليب الذي ارتفع سعره أضعافاً خلال فترة قصيرة.
وعن مراحل وصول القرص المحبب إلى موائدنا، تحدثنا السيدة مريم، من طرطوس التي اكتسبت الطريقة من والدتها، والتي كانت تخض اللبن في “جرة” خاصة وتصنع الزبدة والقريش والشنكليش، فلا تذكر أن منزلهم خلا يوماً من هذه الأصناف”.
وتقول مريم (55 عاماً)، لتلفزيون الخبر :” تبدأ عملية صنع الشنكليش حسب طريقة أهل الساحل، من اللبن الذي نقوم بخضه بعد ترويبه وتبريده بشكل جيد، واليوم تتوافر في الأسواق خضاضات خاصة، ويمكن لبعض السيدات ممن ترغبن بصنع كمية قليلة استخدام الخلاط الكهربائي العادي.
وتتابع مريم ” بعد خضه بشكل جيد، نقوم بإزالة (الزبدة أو الدسم) التي تطفو على وجه اللبن، وما تبقى منه نقوم بغليه، وبعد أن يبرد نضعه في أكياس خاصة قماشية نظيفة، حتى يتصفى من الماء، وبذلك نحصل على القريش”.
وتكمل السيدة التي تصنع كميات كبيرة من الشنكليش وتبيعها للراغبين ” نضع الكيس بعد إغلاقه بشكل جيد تحت مكبس ما، عدة ساعات وذلك لضمان عدم بقاء ماء فيه، ثم نخرج القريش ونبدأ بصنع الأقراص”.
وتضيف ” بعد صنع الأقراص ووضعها على صينية كبيرة، أو أطباق القش بعد وضع قماش رقيق تحتها (شاش)، ونضعها في الشمس لتجف، طبعا بعد إضافة الملح والفليفلة المطحونة حسب الرغبة، ويفضل أن تكون مالحة بشكل ظاهر، كي لا يصيبها “الدود”.
وتلفت السيدة إلى ” وجوب عدم وضعها في أشعة الشمس المباشرة، أو تركها لوقت طويل، فلا يجب أن تقسو الأقراص، فتحتاج عندها شهوراً طوال حتى تنضج، وقد لا تنضج أبداً إذا تعرضت للشمس بشكل مبالغ به”.
“تضع مريم الأقراص بعد تشميسها، في أكياس نايلون شفافة وتغلقها بشكل جيد، وتحفظها في مكان جاف ومعتم، حتى تتعفن وتنضج، الأمر الذي قد يستغرق أشهراً”.
وتشير إلى أن بعض الناس يفضلونها قليلة النضج، أي قبل وصولها إلى مرحلة التعفن الكامل، في حين يرغب آخرون بأن تكون ناضجة جدا، فنقوم حينها باستخراجها وغسلها من طبقة العفن الخارجية التي تشكلت وتغطيسها بالزعتر الأخضر المدقوق في “الجرن” وتصبح جاهزة للأكل”.
وتوضح مريم أسباب ارتفاع سعر هذا الصنف الريفي المرغوب بـ ” ارتفاع سعر الحليب واللبن، وعدم توافر مادة الغاز بشكل دائم والذي يمنع انتاجاً منتظماً، كما ارتفعت أسعار الزعتر المدقوق و الوقت الطويل الذي يحتاجه للنضج، كل ذلك ساهم في رفع ثمنه حتى كاد يصبح حكراً على فئة معينة، ويعتبر من الكماليات بالنسبة لأسر كثيرة”.
وتنوه مريم إلى أن “ارتفع ثمن الكيلو الواحد من الشنكليش خلال عام من 2500 ليرة حتى وصل إلى 12000 وذلك حسب نضجه، وكان يشكل سابقاً مورداً لا بأس به، أما الآن فأرباحه رغم غلاء ثمنه قليلة، وتعبه كبير”.
لهذا الصنف ذي الرائحة والنكهة المميزة خصوصية في الريف السوري، حيث شكلّ لسنوات طويلة “زوّادة” الفلاحين وطلاب الجامعات من أبناء الأسر الريفية، واليوم زوادة للأبناء من العسكريين في الجيش العربي السوري، وهدية حميمة للمغتربين.
وتختلف طرق صناعة الشنكليش وتسميته بين منطقة وأخرى، ويعتبر نوعاً من “المازات” المرغوبة خاصة في المطاعم وأهل المدن، ما جعل منتجوه يتجهون لبيعه في هذه المطاعم، فنجده يتألق بلونه الأخضر مغمرواً بزيت الزيتون، منافساً الأصناف التي كانت تنفرد بصفة ” الباهظة”.
تلفزيون الخبر