العناوين الرئيسيةكاسة شاي

من “لمة العيلة” إلى “غروبات الفيس”.. النكتة سلاح السوريين في وجه همومهم

ارتبطت عبارة “مرة واحد..” في ذهن السوريين مباشرة بالنكات، فما أن تتناهى إلى مسامع المتلقي تلك العبارة، حتى يلتفت إلى المتحدث بكل جوارحه، منتظرا حبكة النكتة، كي يرسم على وجهه ضحكة، يشتاقها السوريون دوما.

ولطالما اشتهرت سهرات السوريين وجمعاتهم، بفقرة تبدأ بعبارة، “سمعتو آخر نكتة”، التي تكون ايذانا ببدء “عدوى النكتة” بين الحاضرين، حيث يبدأ بعدها تداول النكات فيما بينهم، ليتصدر المشهد حينها الشخص المعروف “بصاحب النكتة”.

وتعرف النكتة باختصار بأنها لون من ألوان القصص القصيرة جداً، حتى أن بعضها يتألَّف من جملة واحدة، ومع ذلك، فهي غالباً ما تتضمَّن بداية وحبكة ونهاية، و السمة الأساسية لها، إضحاك المستمع.

أبطال كثر حضروا في نكات السوريين، من جحا ونوادره، إلى أشعب، فالحمصي، وأبو العبد، إلى غيرهم من أبطال ظلوا قيد المجهول، متسترين بعبارة “مرة واحد عمل كذا..إلى آخر النكتة”.

و تطور شكل النكات في سوريا، بالتوازي مع تطور مناحي الحياة، فمن الحكواتي، إلى البرامج الاذاعية والتلفزيونية، وإلى بعض المساحات التي أخذتها النكات في الجرائد، ثم إلى تبادلها عبر “sms”، وصولا إلى نكت زمن “السوشال ميديا”.

إلا أن النكات المحكية عموما، خف بريقها اليوم، لمصلحة النكتة المصورة، أو المرتبطة بفيديو، بما بات يعرف اليوم “بالكوميكس أو الميمز” الذي غزى منصات التواصل الاجتماعي، مشكلا بديلا عن النكتة، أو تطورا طبيعيا لها.

وقال “علي الفضل” الذي يعمل مديرا ماليا لتلفزيون الخبر أن “حضور النكات في الجمعات يعد نوعا من الهروب من واقع سوداوي، إذ تقاطع النكتة حديثنا عن أزماتنا المعيشية، لتخفيف سوداوية واقعنا”.

Image may contain: 1 person, beard and closeup

وأشار الفضل إلى أن “الميمز” عبر “السوشيال ميديا”، حلت بديلا عن النكات في دردشات وسائل التواصل، وفي ظل التباعد الجغرافي الحاصل بين الأصدقاء، في حين ظلت النكتة أسيرة الجمعات المنزلية، و”الكوميكس” أداة ضحك في الدردشات الالكترونية”.

وأعاد الفضل خفوت بريق النكات برأيه إلى أنه “سابقا كانت الجمعات أقل، وانتشار النكتة أبطئ، من الممكن أن تكون النكتة ولدت قبل عدة أشهر ولم تصلك، لذا عندما تسمعها تضحكك لأنها جديدة عليك، أما الآن فالجمعات باتت الكترونية ودائمة، والنكتة الجديدة تقرأها في اليوم الواحد عدة مرات”.

من جانبها لمى قاسم، إعلامية في إذاعة “run” البلجيكية، تعتقد “أننا في زمننا الحالي، وبما نعانيه من ضغوط الحياة، لم نعد نهتم لنوع النكتة، وتطورها، بمقدار الاهتمام بمجرد وجودها، بحثا عن الضحك والترفيه والتسلية، فالضحك هو وسيلتنا الأساس للتعايش مع ضغوط الحياة”.

Image may contain: 1 person, closeup

وقالت لمى لتلفزيون الخبر : “النكتة برأيي مازالت قادرة على إضحاكنا، لأننا بحاجة أي شيء ترفيهي، مهما ندر، وربط النكات بالتنمر على منطقة فلانية أو أشخاص محددين، فيه نوع من التنظير المبالغ فيه، فنحن بطبيعتنا لا نمزح مع شخص إلا حسب معرفتنا فيه، و”نجرح ونداوي” كما يقول المثل.

ويرى معتز الرياحي (مهندس جيولوجيا) بكلامه مع تلفزيون الخبر أن “النكتة جزء من أي مجتمع وحاجة له، ورغم بساطتها فهي حامل لكل تناقضات هذا المجتمع، لذلك لا يمكن أن تكون حالة تظهر وتختفي، فوجود البشر ضرورة لها والعكس صحيح، وهي مستمرة طالما هنالك صاحب الأسلوب القادر على تحويل الكلمة لضحكة”.

Image may contain: 1 person, beard and hat

ويعتقد الرياحي أنه “من غير الصحيح مقارنة النكتة مع انتشار “الكوميك” ب”السوشيال ميديا”، ف”الكوميك” و”الكاريكاتور” وحتى الأفلام والمسرحيات الكوميدية تعتبر نكتة، لكنها تجسدت بأشكال مختلفة تبعا للتطور والتغير”.

إلا أن طبيعة النكتة وموضوعها برأي الرياحي تلعب دورا في قدرتها على الاستمرار، فبرأيه “النكت ذات الصبغة الجنسية مثلا يمكن اعتبارها فقاعات تظهر وتختفي كسلسة متكررة، وبالحقيقة هي انحدار وابتذال خال من أي شيء طريف”.

من جهته محمد منى (طالب طب بشري ومصمم كوميكس) يرى في كلامه لتلفزيون الخبر أن “قدرة النكتة على الإضحاك موجودة عند الأجيال القديمة، أكثر من وجودها بين جيل الشباب، فالناس ابتعدت أكثر عن بعضها، مع تراجع حضور “لمة العيلة” التقليدية، والتي كانت حاضنة لتداول النكات”.

Image may contain: 1 person, selfie and outdoor

وقال المنى إن “بريق النكتة خفت بين الشباب، لاتجاههم نحو كوميديا الموقف الموجودة في المسلسلات، والمبنية على إطلاع مسبق بأبعاد شخصية أبطال الموقف، بينما النكتة العادية تأتي مجردة من خلفيات الشخصيات، وتعتمد على أبطال افتراضيين”.

وأضاف : “بينما “الكوميكس” ترتبط بفكرة “الترند”، وتتناول حدثا واقعا ومتداولا على نطلق واسع، ومعروف أبطاله، فكل يوم هنالك “ترند” جديد ونكات توازيه”.

في واقعنا اليوم يكابد السوريون أزمات عدة، من كهرباء إلى ماء إلى غاز و غلاء، ويواجهون أزماتهم تلك بشتى الوسائل المتاحة، وأهمها الوسائل المعنوية التي تعينهم على “تمرير” يومهم، ولا يجدون في النكتة والسخرية سوى “السلاح الأمضى” للتعايش مع واقعهم، مهما تباينت جودة سلاحهم، و “ذخيرته الكوميدية”.

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى