“علقوني على جدائل نخلة واشنقوني فلن أخونها” .. 18 آب يوم رحل حارس تدمر
شهدت مدينة تدمر الأثرية في الثامن عشر من آب عام 2015 واحدة من أكثر جرائم تنظيم “داعش” بشاعة، ذلك اليوم الذي أعدم فيه التنظيم الإرهابي عالم الآثار التدمري خالد الأسعد.
حيث يعد الأثري الراحل خالد الأسعد من أهم الباحثين التاريخيين، الذي ألف العديد من الكتب التاريخية عن تدمر والمناطق الأثرية في البادية السورية كما شغل منصب المدير العام للآثار ومتاحف تدمر منذ عام 1963 إلى أن أحيل إلى التقاعد عام 2003.
تأثر الأسعد بمقولة المفكر اليوناني شيشرون “من لا يعرف التاريخ يبقى طفلاً أبد الدهر”، من هنا جاء اهتمامه بحماية المواقع الأثرية والحفاظ عليها كنزاً جميلاً للأجيال القادمة، ونشر تاريخ تدمر ومكتشفاتها، والمشاركة بالمعارض الدولية والندوات الأثرية بكل اللغات.
كما قدَّم الأسعد تدمر بأبهى حالاتها للزوار، وشرح لهم عن مقدرة الإنسان العربي بتشييد هذه الحضارة، وكيف استطاع أن يخلق من الحجارة الصماء الصروح والأوابد، والمنشآت العسكرية والمائية في قلب البادية وبعيدًا عن الأنهار الكبيرة ويحولها إلى جنة وارفة الظلال.
وكان ابن العالم الراحل خالد الأسعد، “طارق”، وصف في حديث سابق مع تلفزيون الخبر حادثة إعدام والده قائلاً “قام تنظيم “داعش” بإعدام والدي بقطع رأسه، ثم وضعوه على الأرض تحت جثته التي علقوها على عامود في ساحة تدمر الرئيسية”، مضيفاً “أخذ شخص رأسه ودفنه، فيما دفن شخصان آخران جسده”.
وفي العودة إلى بداية سيطرة التنظيم على المدينة، أوضح الأسعد أن أخوته وبعض الحراس قاموا بإنقاذ 400 تمثال وقطعة أثرية عند اقتراب إرهابيي “داعش” من تدمر في أيار 2015″، مردفاً “في 20 أيار، وقبل 10 دقائق من دخول “داعش” إلى المدينة، خرجت آخر شاحنة نقلت قطعاً أثرية من متحف تدمر”.
و أردف “حين تمت سيطرة “داعش” على تدمر، وقيامه بتدمير آثارها رفض والدي مغادرتها، وهو الذي لطالما كان يؤكد أنها يجب أن تُحمى من أي أذى”.
وأضاف “طارق” “انتقل بعدها والدي إلى مكان يبعد مئات الكيلومترات عن تدمر، ولجأ إلى قصر الحير الشرقي، لكن رجالاً ملثمين لحقوا به واختطفوه في 20 حزيران”.
وتابع “حكموا عليه بالإعدام، وقبل تنفيذ الحكم، طلب الأسعد أن يزور متحفه للمرة الأخيرة، بعدها، أخذه إرهابيو التنظيم حافي القدمين إلى وسط المدينة وقطعوا رأسه”.
وفي وصف طريقة الإعدام، قال “طارق”: “طلبوا منه أن يجثو على ركبتيه لتنفيذ الحكم، ولكنه قال لهم لا أموت إلا واقفاً مثل أعمدة تدمر”، ثم علقوا جثته على عامود، واضعين عليها لافتة صغيرة كتب عليها أنه “مرتد” وأنه مثّل سوريا في “مؤتمرات تكفيرية” وأنه “مدير أصنام تدمر”.
ويروي “طارق” أن “القتلة تركوا جثة والده ثلاثة أيام مع حراس، ثم أخذوا الجسد وقاموا برميه في مكب للنفايات خارج المدينة”، متابعاً “هناك اثنان من أصدقاء والدي راقبا الشاحنة، وانتظرا مغادرة القتلة ليأخذا الجثة ويدفناها بطريقة لائقة”.
وتحدث “طارق” عن أعمال والده على مدار 40 عاماً، موضحاً أنه “شغل منصب مدير آثار تدمر لمدة 40 عاماً بين 1963 و2003، لكن علاقته بالآثار وصونها استمرت وأصبح يعد من الرياديين في علم الآثار في سوريا”.
وأشار الأسعد إلى أن والده “اكتشف بنفسه مقابر أثرية عدة وأشرف على أعمال حفريات عدة وترميم آثار في المدينة”، لافتاً إلى أن “الشهيد خالد الأسعد أسهم وأثر في إدراج آثار تدمر ضمن لائحة التراث العالمي”.
كما ساهم الشهيد خالد الأسعد في تجميع كثير من الوثائق التاريخية والأثرية خلال حياته، وله أكثر من 20 كتاباً عن المنطقة، ونذر الأسعد حياته لحماية المدينة القديمة، وفق ما أكد ولده.
يشار إلى أن الشهيد خالد الأسعد ولد في العام 1934، والتحق بمدرسة داخلية في دمشق ودرس التاريخ في جامعتها وتعلم اللغة الآرامية القديمة وكانت طلاقته بها تعد إنجازاً نادراً.
تلفزيون الخبر