من يعيد “كعكة فرح” السوريين المسروقة؟
ثلاث ليال متواصلة، كان وعد سمير بالاحتفال بابنه في حال نجاحه ونيله شهادة التعليم الأساسي التي لم يستطع هو نيلها، وهو ما قام به بالفعل، بعد صدور نتائج الامتحانات، ورؤية كلمة “ناجح” أمام اسم ابنه، دون النظر حتى إلى مجموع الدرجات التي نالها.
وفي استعادة لعادة قديمة لدى أهل الريف، قُرع الطبل ليلة كاملة في منزل سمير وعائلته، ليتردد صداه في كل الجبال المجاورة، مذكراً أهلها المتعبين بأنه لازال للفرح مكان، ولو كان عابراً.
هذا الفرح الصاخب، جمع العشرات من أبناء القرية مستعيدين هم أيضاً عادة صارت قديمة، بمشاركة الفرح، كما يتشاركون الحزن كل يوم منذ سنوات، حتى أولئك الذين لم يروا في الأمر ما يستحق كل هذه الضجة، قدموا وباركوا ورقصوا ليلة كاملة.
استهجن البعض سلوك سمير، ففي أعراف القرية، حيث الكل أقارب بطريقة أو بأخرى، لا يجوز المجاهرة بفرحك والحزن في بيت جارك، على أن كثرة الأحزان شفعت هذه المرة لتمرير مطلب انساني حق ببهجة مشروعة.
ماهو الفرح؟ ستراه يبرق خاطفاً في أعين جدة تحكي عن أحفادها ال29 وهي تتناول فنجان قهوة بشوق من لم يعد قادراً على شراء هذه الكماليات اللعينة، دون أن تخفي فخرها بهذه القبيلة الصغيرة التي تحتاج نهاراً كاملاً أمام فرن التنور لإطعامها بعض الفطائر المنزلية.
أيدٍ كثيرة امتدت هذا العام، لتشارك سنوات الحرب التسع الماضية، في سرقة كعكة فرح السوريين الخجولة، فالحرب لم تنتهِ في بقاع عديدة من سوريا، ولازال شبانها يحاربون على الجبهات المختلفة، وشهداؤها يتوالون، والفرح ينزوي على نفسه، خجلاً.
الغلاء غير المسبوق هذا العام، سرق فساتين الفرح وحلواها وحامضها، أحنى ظهور الأباء و رسم تجاعيد جديدة على جباه الأمهات، هكذا قدم العيد ضيفاً ثقيلاً، لم يستطع هو الآخر مدّ بساط سحري، يخطف الناس أربعة أيام على الأقل، كما كان يفعل طوال تسع سنوات مضت.
كورونا المستجد الوافد من أقاصي الأرض، أخفى الابتسامات خلف كمامة، قادرة إذا احتاج الأمر على امتصاص دمعة هاربة، تفاجئ صاحبها بأن مجرى الدمع لازال “يسرّب”.
الانتظار الطويل على أبواب المخابز وأدوار الغاز والمؤسسات والمستشفيات، كان قد قضم هو الآخر من “كعكة الفرح” طويلاً حتى كاد يأتي عليها، الخوف الرزين منتصب القامة، يقضم على استحياء حصته أيضاً.
الأفراح صارت فردية جداً، ضاق نطاقها لأسباب اقتصادية وصحية، ولم تعد المشاركة فيه أكثر من بضع كلمات على مواقع التواصل الاجتماعي ” الف مبروك”، “يربى بعزك”، الله يهنيكم” والقائمة تطول من الكلمات المتشابهة غير القادرة على خلق أو إيصال أي مشاعر.
تقول مريم (مهندسة، 30عاماً) ” لاطعم للفرح، لكن ومن باب رؤية النصف المليء من الكأس مكسور الحواف، فهذا العام لم يخصّ السوريين وحدهم بالمآسي، تخيلي صار عزاؤنا في اشتراك الآخرين معنا بالكوارث”.
فقدت مريم أحد أفراد أسرتها في الحرب، رصاصة قناص في حمص، ابتلعت كل الفرح وهي تخطف حياة أخيها الأصغر، وتسبب المرض لأمها، ليصير الفرح هو يوم لايباغتها فيه الألم على حين غرة.
وتضيف ” نخرج أحياناً في طلب بعض الفرح، سيران أو زيارة عائلية أو ما شابه، لنجد أن الهموم سبقتنا إلى الطاولة، وصار كل الحديث عن المآسي التي سمعناها والمشاكل التي نعاني منها، فنخرج وفي جعبتنا هم جديد”.
“شاركونا فرحتنا” هكذا عنونت إحدى الطالبات الناجحات في شهادة التعليم الأساسي، مقطع فيديو لها ولصديقاتها يحتفلن بعد سماع نتيجتهن، المقطع المبهج انتشر بسرعة بين أوساط المقربين والأصدقاء، فرح حقيقي عفوي دون تكلف.
“كعكة فرح” السوريين غير الناضجة تؤكل على عجل، أما سبب عدم نضوجها، فربما لأن الكهرباء باغتت الفرن في مرحلة النضوج، فصار بارداً فجأة، وتأجلت معه أحلام وجبة فرح كاملة، يتناولها السوريون معاً يوماً ما.
رنا سليمان _ تلفزيون الخبر