كيف رسم نزار قباني ثالوث الحياة “الحُب المرأة والوطن” بالكلمات ؟ .. في ذكرى وفاته
ياسمينةٌ بجوارها جوريّة بجوارهما نارنجة وكباد ونافورة، وفي الجوار أيضاً فتاة وامرأة وقضايا وثورات مع قصفةٍ من سكاكرٍ جمعتها يدٌ ثم أراحتها لتفصح ناثرة بحلاوتها كلمات رسمت حياة شاعر سار طريقاً معبداً بالحلاوة والمرار.
نزار توفيق قباني، شاعر الحب والمرأة والتمرد والتحليق في سماءات الكلمة، هو الحالة الشعرية الفريدة التي صنعتها مآسٍ عديدة ومعارك كثيرة، بعدما شحذ لسانه تجاه كل ما عايشه من خللٍ في المجتمعات.
الدبلوماسي والشاعر السوري المعاصر نزار قباني، تصادف يوم الثلاثين من نيسان ذكرى وفاته وهو المولود في 21 آذار 1923 وكأنما أبرم عقداً مع الربيع الذي اختاره كحالة شعرية وارفة الظلال على ساحة الشعر العربي.
لم تكن أسرة نزار الدمشقية العريقة أم وأب وأخوة فحسب، بل كانت عائلته أرض فسيحة شكلت اللوحة الأولى لانطلاقته الشعرية بما تحوي من عناصر أهّلتها لتكون كذلك، فهناك القطة والحمامة والياسمينة ونافورة الماء، ولا يمكن للشجرة العائلية القبانية أن تكتمل أيضاً إلا بذكر جد نزار رائد المسرح العربي أبو خليل القباني.
درس نزار قباني الحقوق في جامعة دمشق، وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلاً بين عواصم مختلفة حتى قدم استقالته عام 1966.
خلال طفولته انتحرت شقيقته وصال، بعد أن أجبرها أهلها على الزواج من رجل لم تكن تحبه، وهو ما ترك أثراً عميقاً في نفسه، وهو ما ساعد أيضاً على صياغة فلسفته العشقية لاحقاً ومفهومه عن صراع المرأة لتحقيق ذاتها وأنوثتها.
أصدر نزار أولى دواوينه عام 1944 بعنوان “قالت لي السمراء” وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديواناً أبرزها “طفولة نهد” و”الرسم بالكلمات”.
وأسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم “منشورات نزار قباني” وكان لدمشق وبيروت حيِز خاص في أشعاره لعل أبرزهما “القصيدة الدمشقية” و”يا ست الدنيا يا بيروت.”
أحدثت حرب 1967 مفترقاً حاسماً في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه شاعر الحب والمرأة لتدخله معترك السياسة، وأثارت قصيدته “هوامش على دفتر النكسة” عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.
على الصعيد الشخصي، عرف قباني مآسٍ عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجير انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولاً إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته “الأمير الخرافي توفيق قباني”.
بعد مقتل زوجته بلقيس، غادر نزار لبنان وكان يتنقل بين باريس وجنيف حتى استقر في النهاية في لندن حيث قضى الخمسة عشرة عاماً الأخيرة من حياته، واستمر بنشر دواوينه وقصائده المثيرة.
تعرض نزار للكثير من الانتقادات التي وجهت لكلماته، حيث رأى البعض انه بالغ في وصف النساء ما جعله يتجاوز الأخلاق والقيم العربية، ليعود المتابع لبدايات جده أبو خليل القباني حين وجهت الانتقادات له حين استعان بالإناث على مسرحه ليستنكر مشايخ تلك الأيام ذلك.
عاش نزار قباني السنوات الأخيرة من حياته مقيماً في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة “متى يعلنون وفاة العرب”، وفي عام 1997 كان يعاني من تردي في وضعه الصحي.
وبينما كان في المشفى كتب وصيته التي أورد فيها أن يتم دفنه في دمشق التي وصفها بالقول: هي “الرحم الذي علمني الشعر الذي علمني الإبداع والذي علمني أبجدية الياسمين”، توفي بعدها عن عمر 75 عاماً، ونُفذت وصيته حيث دفن في مقبرة باب الصغير بدمشق.
غنى قصائد نزار العديد من الفنانين في الماضي والحاضر منهم من لمعت أسماؤهم من خلال قصائده في الحب كالفنان العراقي كاظم الساهر الذي غنى مجموعة من قصائده وهي
“إني خيّرتك فاختاري”، “زيديني عشقاً”، “مدرسة الحب”، “إلا أنت”، “قولي أحبك”، “أكرهها”، “أشهد ألا امرأة إلاأنت”، “حافية القدمين”، “تقولين الهوى”، “الرسم بالكلمات”، “كبري عقلك”.
ومن الزمن الجميل، أبدعت كوكب الشرق أم كلثوم بقصائد نزار “أصبح عندي الآن بندقية”، “رسالة عاجلة إليك”، كما غنى من قصائده الفنان المصري عبد الحليم حافظ “رسالة من تحت الماء”، “قارئة الفنجان”.
وغنت السيدة فيروز من قصائد نزار “وشاية”، “لا تسألوني ما اسمه حبيبي”، وماجدة الرومي غنت قصائد “بيروت ست الدنيا”، “كلمات”، “مع الجريدة”، “أحبك جداً”، “طوق الياسمين”.
روان السيد – تلفزيون الخبر