“السخرية والتهكم”.. هل أصبحت سلاح السوريين الوحيد في مواجهة واقعهم “الدولاري”؟
مع كل أزمة تطل برأسها كل صباح، لا يجد السوريون سلاحا أفضل وأسرع من السخرية، فكما يقول الروائي والمسرحي ” صامويل بيكيت”: لا شيء مثير للضحك والسخرية أفضل من البؤس”.
بات مصطلح “الأزمة” المرافق للسوريين منذ تسع سنوات جعبة تحوي كماً لامتناهٍ من الأزمات التي تتكاثر بالإنقسام، وكل حدث جديد هو مادة دسمة يتلقفها السوريون لتصبح مثاراً للتهكم، مبدعين في خلق صور ضاحكة من الواقع الأليم.
من جهة ثانية، جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتكون منصة ومنبرا ل”فشة الخلق” هذه، ومكانا يتبارى فيه مرتادوها لعرض ” النهفات” التي لا تغير من الواقع شيئا، لكنها وبحسب علم النفس :” تخفف من ثقل الحدث”.
وتعتبر ردود الأفعال الساخرة من ضمن ما يعرف ب “آليات الدفاع”، للتخفيف من هول المشهد أو الموقف الذي يواجهونه.
هذه الآليات عديدة منها التهكم والمزاح والهزل والسخرية لتحويل الأنظار عن الواقع المأزوم وأخذه باتجاه آخر، وبالتالي للتخفيف من حدة الأزمة التي يمرون بها.
ردة الفعل هذه ، بحسب إحدى المختصات بعلم النفس” تأتي في المرحلة الأولى للتخفيف من الصدمة ومساعدة الناس على استجماع قواهم واجراء تحليل لمجمل الوضع بشكل منطقي وجدي لأننا نحول الاهتمام من الواقع الذي لا نستطيع السيطرة عليه لنتجه الى مكان آخر”.
و الهزل او الفكاهة أمر شائع عندما يشعر الفرد أنه غير قادر على تغيير أي مفصل من مفاصل الواقع أو حتى القرار، كذلك انتشار الشائعات، ويقول الطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون مؤلف كتاب ” سيكولوجيا الجماهير” إن كثرة الشائعات في مجتمع ما هي تعبير واضح عن واقع مرير وأليم وغير مفهوم يمر به هذا المجتمع”.
وتعرف السخرية بأنها ” أسلوب تعبير يهدف إلى الإضحاك، لكنها تحمل بين طياتها جرعة عالية من النقد، سواء لأشخاص أو لحدث او واقع ما”.
ويشير علماء النفس إلى ان ” التعامل بجدية مع الظروف والوقائع أمر هام، ولامفر منه في النهاية، حيث سيفرض نفسه عاجلا أم آجلا، لكن التهكم وتحويل الحدث المزعج إلى جانب كوميدي يساعد في تخفيف وطأتها بشكل كبير”.
وفي حال السوري، تبدو “البطاقة الذكية” بطلة الكوميديا التي يحاول خلقها لنفسه خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت متنفسه الوحيد، فبعد أن كانت جواز حصوله على الغاز والمحروقات، مدت أذرعها اليوم لتضم مواد غذائية اساسية هي السكر والرز والشاي.
في إجراء حكومي جديد، مترافق مع ارتفاع جنوني للأسعار أضعف حركة الأسواق في أكثر من محافظة، وفي ظل انخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار بشكل غير مسبوق، حتى جاوز ال 1035ليرة في السوق السوداء كما أشارت عدة مواقع اقتصادية.
وإلى جانب البطاقة الذكية، صارت أوضاع الكهرباء والماء والمواصلات مادة يومية للسخرية المشوبة بالألم والغصة وقلة الحيلة،
وحتى الحديث عن حرب عالمية ثالثة تطرق الأبواب، لم يثر لدى الغالبية الخوف بقدر ما أثار السخرية.
ولم يفت السوريون المشاركة في الحملة العالمية التي تناولت الحدث، رغم أن أسبابهم كانت مختلفة، تقول رند لتلفزيون الخبر :” وتصير الحرب، يعني هيك هيك الأوضاع تعبانة”، ورغم نبرة السخرية الواضحة، فلا يخفى الألم في عبارتها، حيث تتبعها بحسرة “على احلام ولت ومن الصعب ان تعود”.
ولئن قلل الشباب من أهمية وقوع حرب، يبدو الأكبر سنا أكثر تخوفا، فهم أدرى بمعنى قيام مثل هذه الحروب والخسارات التي تجرها، وتعترف حياة : نعم اخاف الحرب، حرب عالمية أول شي رح تكون على أرضنا وتاخد يلي بقي من شبابنا ومستقبلهم”.
طلاب المدارس يتساءلون بفضول :” يعني إذا قامت الحرب رح نغيب عن المدرسة؟”، فالحرب لم تعد شيئا غريبا في قاموس حياتهم وكثير منهم ولدوا في ظلها، مع جهل طبيعي بمعنى ان تقوم “حرب عالمية ثالثة” والفارق بينها وبين ما عرفوه خلال عمرهم قليل السنوات.
على مبدأ ” شر البلية ما يضحك” ، يسخر السوريون ويتبادلون في الصفحات العامة والمجموعات والمنشورات إلقاء النكات حول أوضاعهم المتعبة، وهم يعلمون أنها هناك بانتظارهم خارج العالم الافتراضي، كفيلة بسرقة كل ابتسامة وزرع مزيد من الخوف في أيامهم.
رنا سليمان _ تلفزيون الخبر