ذاكرة الأوطان في ورقة ملونة من بضعة سنتميترات.. تعرّف على تاريخ الطوابع في سوريا
هي قطعة ورقية صغيرة، ملونة، وثمنها زهيد، لكنها في الواقع تختصر ذاكرة بلد أو شعب، وتضفي على بساطتها، طابعاً خاصاً بهذه الدولة أو تلك، في تعاملاتها الورقية الرسمية، بعد أن تراجع وجودها على الرسائل الورقية، بفعل اقتراب هذه الأخيرة من الاندثار أمام موجة الرسائل “الإلكترونية”.
ويعرّف الطابع بأنه “قطع ورقية رسمية صغيرة تصدرها الدولة، ذات قيمة مالية محددة”، وثمة طوابع تذكارية تصدر بأشكال مختلفة تخليداً لمناسبة أو حدث أو مؤتمر أو موقع مهم أو تضم صورة رئيس الدولة أو عظيم من عظمائها في مجال الأدب والفن والفكر والعمارة والطب والرياضة.
ظهرت فكرة طوابع البريد عام 1837، حين برز تصوّر لها لتستعمل بديلة عن النقود عند إرسال الرسائل والطرود، وفي الأول من أيّارمن العام 1840 صدرت أول مجموعة في العالم من الطوابع البريدية الإنكليزية تحمل رسماً لوجه الملكة فيكتوريا.
وفي العام 1847 اعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية، وفي ذات العام أُحدث (اتحاد البريد العالمي) فشمل كل بلدان العالم.
أما في سوريا، وبحسب “المجلة العربية”، ففي فترة الاحتلال العثماني ما بين عامي 1516م و1918م، كانت السلطنة العثمانية بدأت باستخدام الطوابع البريدية منذ عام 1863 في تركيا وفي جميع الدول التي كانت ترزح تحت سلطتها ومن ضمنها سوريا، لذلك يَعتبر هواة جمع الطوابع المهتمون بتلك المرحلة أن كل طابع بريدي عثماني، أو مغلف بريدي، ممهور بخاتم يعود إلى إحدى المدن السورية، هو طابع سوري ويصنف معها.
بعد استقلال سوريا عن العثمانيين توقف استخدام الطوابع العثمانية في مكاتب البريد، واستعيض عنها بطوابع أحضرتها معها القوات العسكرية البريطانية المرافقة لقوات الثورة العربية.
واستخدمت لفترة زمنية بسيطة، حتى قامت دوائر البريد في سوريا بجمع ما يتوفر لديها من طوابع عثمانية ووُشِّحت بختم خاص كتب عليه (الحكومة العربية)، أو (الحكومة السورية العربية).
وقامت الحكومة العربية بإصدار مجموعة طوابع بريدية خلال فترة حكمها القصيرة لسوريا، واستمرت حتى الرابع والعشرين من تموز من عام 1920 نتيجة احتلال فرنسا لسوريا، ودعيت هذه المجموعة بالمجموعة الفيصلية، وتتألف من تسعة طوابع، ووُشِّح أحد طوابع هذه المجموعة بعبارة «تذكار استقلال سوريا المتحدة 8 آذار 1920».
وأثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا في عام 1921 وُشِّح ما تبقى من طوابع الحكومة الفيصلية الموجودة في مكاتب البريد بعبارة (O.M.F)، ووُضع في الاستخدام عدد من مجموعات الطوابع الفرنسية وُشِّح بعضها بالأحرف (T.E.O) ، والبعض الآخر بالأحرف (O.M.F).
واستمر استخدام هذه المجموعات حتى إعلان فرنسا إنهاء مرحلة الاحتلال وبدء مرحلة الانتداب على سوريا ولبنان، حيث وضعت في التداول في سوريا مجموعات طوابع بريدية تحمل توشيح (Syrie Grand Liban) ثم توشيح كلمة (Syrie) وبعد ذلك توشيح كلمة (سوريا) بالعربية والفرنسية.
وتقول المصادر المتعلقة بهذا الموضوع، إنه ومع إعلان المفوض السامي الفرنسي (ريغاند) ما سمي ب”الوحدة السورية”، تم اتخاذ القرار رقم 1595 تاريخ 29 أيلول، المتضمن الموافقة على إصدار مجموعة طوابع سورية تحمل اسم سوريا.
وكانت أول مجموعة طوابع أُصدرت في تلك الفترة مجموعة المناظر الأولى وكانت تحمل صور مدن وآثار في سوريا حيث وضعت في التداول في شهر آذار من عام 1925م.
توالى بعد ذلك إصدار مجموعات الطوابع تحت اسم سوريا، حتى جلاء القوات الفرنسية عنها في السابع عشر من نيسان عام 1946م، إذ أعلن عن استقلال البلاد باسم (الجمهورية السورية)، واستمر ذلك حتى الثاني والعشرين من شباط من عام 1958 حين أعلنت الوحدة بين سوريا ومصر.
وخلال تلك الفترة كانت الطوابع تصدر تحت اسم (الجمهورية السورية) و(سوريا) وكانت أول مجموعة سورية صدرت بعد الاستقلال هي (مجموعة الحصان).
أما في فترة الوحدة بين سوريا ومصر التي استمرت حتى الثامن والعشرين من أيلول من عام 1961 أصبح الاسم الذي يطلق على دولتي الوحدة (الجمهورية العربية المتحدة) وكانت الطوابع التي تصدر في كلتا الدولتين تحمل هذا الاسم.
ولكن كان لكل دولة طوابعها الخاصة بها، وبعد الانفصال أعلن عن قيام الجمهورية العربية السورية، وأصبحت الطوابع السورية منذ ذلك الوقت تحمل اسم (الجمهورية العربية السورية) حتى وقتنا الحاضر.
ويطلق على هواية جمع الطوابع، اسم (هواية الملوك وملكة الهوايات)، حيث كان يمارسها جورج الخامس ملك إنكلترا، وفرانكلين روزفلت رئيس الولايات المتحدة وعدد من المشاهير في شتى أنحاء العالم.
وتشمل هذه الهواية جمع الطوابع البريدية تحديداً، من دون الطوابع المالية، وترتيبها ضمن ألبومات خاصة، ولا يُعرف بالضبط متى بدأت هذه الهواية، ويُعتقد أنها بدأت مباشرة بعد إصدار أول طابع.
لكن أول كتاب مفهرس للطوابع صدر عام 1864، فمن المحتمل أنها بدأت حول هذا التاريخ، ثم اكتشف الناس صعوبة الحصول على بعض الطوابع لمجموعاتهم أكثر من غيرها، وهكذا صارت هذه الهواية تجارة رائجة عند البعض، وارتفعت أسعار عدد من الطوابع إلى أرقام خيالية.
وفي سوريا تأسس النادي السوري لهواة طوابع البريد عام 1948 وأُشهر رسمياً تحت رقم 292 بتاريخ 1960 ويتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في الجمهورية العربية السورية، ويمارس أعضاء النادي نشاطاتهم في مقره الكائن في أحد أحياء دمشق، وتتضمن هذه النشاطات بيع وشراء ومبادلة الطوابع بالإضافة إلى تبادل الخبرات وغيرها من النشاطات المرتبطة بهذه الهواية.
كما يقوم النادي بتأمين إصدارات الطوابع السورية الحديثة فور وضعها في التداول لأعضاء النادي، ويقام في النادي مزاد علني لبيع الطوابع البريدية يشارك فيه الأعضاء الذين يتمكنون من تأمين جميع احتياجاتهم الضرورية لممارسة هواية جمع الطوابع البريدية من خلال أعضاء النادي.
وفي عام 2005 أُسس فرع للنادي في مدينة حلب، وصدر عن النادي عدد من المطبوعات مثل مجلة (الطوابع البريدية)، ومجلة (الطابع العربي)، كما أقام النادي أربعة معارض للطوابع البريدية كان أولها في شهر أيلول من عام 1966 بمشاركة عربية واسعة، وآخرها في كانون الثاني من عام 2007.
وعُرضت فيه الطوابع الصادرة في الجمهورية العربية السورية مع معروضات أخرى مهمة مثل بعض الرسائل البريدية التي توثق تاريخ البريد والطوابع في سوريا.
وتحول اسم النادي في العام 1992م إلى النادي السوري لهواة الطوابع بدمشق، ويؤكد بعض أعضاء النادي أن (هواية جمع الطوابع تتراجع في ظل هيمنة التقنيات الحديثة مثل البريد الإلكتروني والفاكس والإنترنت الذي يتيح التواصل بين البشر بشكل سريع بالصوت والصورة).
وفي موازاة نشاطات النادي، أقيم متحف الطوابع والمعدات البريدية عام 2005م داخل مبنى الإدارة المركزية للبريد في منطقة الحجاز وسط العاصمة، ويشتمل على معدات بريدية كانت تستعمل في مجال خدمة البريد كموازين الطرود وموازين الرسائل وغيرها.
كما يشتمل أيضاً على أسلحة (كالمسدسات مثلاً) كان يحملها سعاة البريد لحماية ما ينقلونه من رسائل، ويشتمل المتحف على طوابع البريد السورية التي صُنّفت إلى مجموعات حسب أزمنة إصداراتها منذ العام 1920م حتى أيامنا.
وتشمل هذه المجموعات طوابع تذكارية تخلّد حدثاً ذا أهمية خاصة مثل إقامة مؤسسة تعليمية مثل بناء مدرسة التجهيز، أو صحية مثل مستشفى المواساة، أو حكومية مثل بناء قصر العدل، أو اقتصادية مثل سدّ الفرات أو موقعاً أثرياً مثل تلّ مرديخ (إيبلا).
كما تضمّ مجموعات لرؤساء الجمهورية السورية السابقين، أو أبطال العرب ومشاهيرهم مثل صلاح الدين الأيوبي وأبو العلاء المعري، فضلاً عن طوابع تؤرخ لمرحلة الانتداب الفرنسي.
ويتفنن الرسامون حول العالم في إبداع رسومات للطوابع البريدية، تعكس ثقافة شعوبهم، وتعد الطوابع السويسرية أغلى الطوابع في العالم.
يذكر أنه اختير طابع بريد نرويجي يصور بومة ثلجية على أنه أجمل تصميم في العالم لعام 2018 ، وفاز الطابع وثمنه 21 كرون, بهذا اللقب في مسابقة عالمية في العاصمة الإسبانية مدريد حيث قامت لجنة تحكيم مؤلفة من حوالي 40 من هواة جمع الطوابع البريدية بتقييم الطوابع من جميع أنحاء العالم في فئات مختلفة.
تلفزيون الخبر