تاركاً بسطته البديعة وحيدة وغصة في حلق كل من عرفه .. أبو طلال أكرم وداعاً
كما كانت حياته سطرا جميلا في كتاب الحياة اليومية لآلاف السوريين المارين من تحت جسر الرئيس وسط دمشق، رحل أكرم كلثوم “ابو طلال”، تاركا بسطته البديعة وحيدة دون صاحبها وقارئ روحها، وتاركا أسفا في نفس كل من عرفه أو جمعته به صدفة الشغف بكتاب ما.
بائع الكتب، أكرم كلثوم، أو “أبو طلال” كما عرفه الزبائن وابناء المنطقة، ملك من العمر 61 عاماً، قضى معظمها بين صفحات الروايات والكتب على اختلاف أنواعها.
وتحدث أبو طلال، لتلفزيون الخبر، في إحدى اللقاءات، عن مهنته قائلاً “منذ أكثر من عشرين عام، تقاعدت من وظيفتي، واتجهت للعمل بهذا المجال الذي اهواه واحبه، عن طريق بسطة كتب، تؤمن لي شيئين اساسيين هما لقمة العيش وكتب جيدة لأقرأها”
وجد أكرم كلثوم، وهو ابن مدينة السلمية في محافظة حماه، أن “من يعمل في مجال الكتب يجب عليه أن يكون يمتلك ادوات المعرفة”، فبائع الكتب بنظر ابن ال 61 عام “كبائع العطور ان لم يبع شمها، وصاحب الكتب ان لم يبع قرأها” .
الزبائن، أو “القراء” كما كان يرغب “أبو طلال” بمناداتهم، يقصدونه من مختلف الشرائح الاجتماعية والعمرية، ولكنه يلحظ اختلاف بنوعية الكتب التي كان يطلبها القراء حالياً عم كانو يطلبوه سابقاً .
ويعود السبب بنظره الى “التغير بالمزاج الثقافي للمجتمع، فسابقاً كان القراء يتجهون نحو القراءة الفكرية الهادفة التي تشكل ارضية ثقافية كبيرة، أما الان فالأغلبية تتجه نحو القراءة الاستهلاكية السهلة” .
ولم يكن الراحل الجميل يخاف على زبائنه لأنه يجد أن “أي قراءة على العموم، ستشكل عامل فهم ووعي فكري ثقافي، وهنا دور بائع الكتب وثقافته في تحويل بعض القراء للقراءة الهادفة” .
ونصح “أبو طلال” بقراءة الكثير من الكتب، ولكنه ميال في مجال الرواية للأدب الروسي، وعلى صعيد الرواية العربية، ينصح بقراءة روايات نجيب محفوظ، لأن “ابطال رواياته تحتاج الى الكثير من التحليل والمحاكاة” .
أما مصدر الكتب التي كان يحصل عليها أكرم كلثوم، فهي من مكتبات المنازل، التي أراد أصحابها أن يبيعوها لأسباب معينة او من اشخاص قراؤها ويرغبون باستبدالها بأخرى .
وعند سؤال “أبو طلال” عن امكانية وصف ما حدث بسوريا خلال سنين الحرب بكتاب، يقول “من الصعب التشبيه لأن ما جرى بسوريا شيء يحتاج لمجموعة كتب لوصفه، ولكن هناك كتاب لتشارل ديكنز، اسمه “قصة مدينتين”، يستطيع أن يصف الحالة بشكل تقريبي” .
“أبو طلال”، حمل شهادة ابتدائية فقط، ولكنه يجد في القراءة، أنها “تجعل فكر الانسان اكثر وعياً، وتجعله يفكر بعقلية نقدية، وتشكل لديه معرفة بثقافة الحوار وتقبل الآخر” .
وختم “أبو طلال” حديثه قائلاً “إن هذه الحياة جميلة بالرغم من صعوبتها، ولكن الأصعب هو عدم معرفتنا كيف نحياها”، كيف لا وهو “إن لم يبع الكتب قرأها” .
ونعى الكثير من السوريين “ابو طلال” عبر صفحاتهم الشخصية على “فيسبوك”، معبرين عن حزنهم واسفهم على الشخص الذي اجبرهم على تجاهل زحام المدينة ومنطقة تحت الجسر، بكتبه الملونة الجذابة، وحديثه الذي لا يملون سماعه.
“هكذا يرحل الطيبون دون وداع”، كما عبر الكثيرون، لكن وجودهم يبقى حكاية تروى، وأملا بجمال لا تستطيع قسوة الحياة محوه.
يذكر أن “كوفر” صفحة الراحل أبو طلال على فيسبوك، هي عبارة عن “برينت سكرين” لمادة من تلفزيون الخبر، تضمنت لقاء معه في شهر أذار المنصرم،في قسم “سوريين عن جد”
تلفزيون الخبر