بطلات انتصرن على السرطان يروين لتلفزيون الخبر الحكاية
اعتادت ندى صابرين (49 عاماً) رفع يديها إلى السماء والدعاء إلى الله عند قراءة آخر الإحصائيات الطبية، التي تشير إلى أن سيدة واحدة من أصل ثمانية معرضة للإصابة بسرطان الثدي، إلا أنه لم يخطر في بالها يوماً أنها ستكون تلك السيدة.
ندى .. “التفاؤل” مفتاح الشفاء
في إحدى ليالي تموز الصيفية من العام الماضي، اكتشفت ندى (أم لطبيب ومهندسة) عن طريق الفحص الذاتي على نحوٍ مفاجئ وجود كتلة غريبة في ثديها، لم يطمئن قلبها إليها، ويبدو أن عدم اطمئنانها كان في مكانه.
أظهرت الصور والتحاليل التي أجرتها ندى وجود “كتلة غير متجانسة ذات حواف غير منتظمة”، ما أخاف طبيبها الذي تهامس مع زوجها همسات وشت لها بالخبر “المؤلم” الذي لم تتوقع أن تسمعه يوماً.
“استأصل الأطباء الكتلة وأرسلوها إلى التحليل، وبعد أربعة أيام جاءت النتيجة بأنها خبيثة ولا بد من الخضوع لعمل جراحي جديد لاستئصال كامل الثدي”، تقول ندى لتلفزيون الخبر.
“كانت مرحلة صعبة للغاية، تسابقت فيها مشاعر الإحباط والحزن وفقدان الأمل، وكأنها تعدو في ماراثون، كل منها يريد أن يصل قبل الآخر إلى قلبي وعقلي للنيل من عزيمتي وقدرتي على التحمل”، تروي ندى.
“مجرد تفكير المرأة بأنها ستفقد ثديها، يشرِّع باب الضعف مصراعيه على روحها، وتدخل منه رياح الخسارة التي تمس مباشرة جوهر أنوثتها”، تصف ندى حالتها النفسية.
“ممكن رح موت بعد فترة” يرتجف صوتها وتضيف “الأفكار السلبية تسيطر في تلك المرحلة، خاصة أنني أمام مرض “خبيث”، لا أبعاد بدايته واضحة ولا نهايته”.
“بعد إجراء المزيد من الأبحاث والتحقق من حالتي، قرر الطبيب استئصال جزء بسيط من الثدي، كون السرطان كان في مرحلته الأولى ولا يوجد أية نقائل في الجسم، الأمر الذي رفع معنوياتي وأعاد بالتدريج بناء قوتي التي دُمِّرَت كسلسلة حجار الدومينو”.
“بدأتُ لاحقاً مرحلة العلاج الكيميائي، الذي شمل 4 جرعات مضاعفة”، تتذكر ندى التواريخ بسرعة تفوق تذكرها عيد مولدها وتقول : “استمر علاجي من 21 أيلول 2018 حتى 28 تشرين الثاني”.
نتيجة اكتشاف ندى المبكر لسرطان الثدي، لم تضطر بعد انتهائها من العلاج الكيميائي إلى الخضوع لجلسات العلاج الشعاعي، وانتقلت مباشرة إلى الأدوية الهرمونية التي ستستمر فيها على مدى عشر أعوام، بعد أن أكدت التحاليل والصور شفائها التام من المرض.
بعد انتصارها على السرطان، اختلف اليوم منظور ندى للحياة بعدما “ولدت من جديد” فتقول : “ازددتُ قوة وإرادةً وصبراً، واكتشفتُ أن التفاؤل هو مفتاح الحياة”.
واختتمت ندى حديثها مع تلفزيون الخبر ناصحةً السيدات المصابات بسرطان الثدي “بضرورة التحلي بالصبر والأمل”، مؤكدَّة لهن “أنها فترة قصيرة وتمضي كغيرها”، “الشعر بيهر معلش، بس بيرجع بيطلع، المهم أنتي تبقي بصحتك وقوية”.
ارتفاع نسبة الشفاء التام من سرطان الثدي حتى 80%
وعن تطور معالجة سرطان الثدي، قال رئيس شعبة الأورام في مستشفى تشرين في اللاذقية، الدكتور نادر عبدالله لتلفزيون الخبر، أن “مفهوم معالجة سرطان الثدي شهد تطوراً كبيراً بعد عام 2000، إثر تطور علم البيولوجيا الجزيئية، الذي ساهم في زيادة نسبة الشفاء”.
وبيّن عبدلله “تطور خطوط المعالجة الجراحية، حيث أصبح بالإمكان إجرائها في المنطقة المصابة مع المحافظة على شكل الثدي وعدم الاضطرار لاستئصاله بالكامل، في حال الاكتشاف المبكر”.
وأكد عبدلله أنه “بقدر ما يكون الاكتشاف في مرحلة مبكرة بقدر ما يكون العلاج أفضل وأسهل”، واصفاً كل أنثى بأنها “طبيبة ذاتها من خلال الفحص الذي تقوم به بنفسها، لمنطقة الثدي وتحت الإبطين”.
ودعا الدكتور عبدلله “كل أنثى لإجراء الفحص الذاتي بعد انتهاء فترة الطمث من كل شهر، بدءا من عمر 25 سنة، وعند اكتشاف أي علامات أو كتل غير طبيعية يجب مراجعة الطبيب المختص على الفور”.
ولفت رئيس شعبة الأورام إلى أن “السيدات اللواتي لديهن ضمن إطار العائلة حالات سرطان ثدي، هم مطالبات بمراقبة مكثفة من خلال تركيز الفحص الذاتي، وإجراء صورة الماموغرام بشكل دوري”.
“وسجلت نسبة الشفاء من سرطان الثدي في سوريا ارتفاعاً كبيراً، كون 80% من إصاباته تكتشف في مرحلة مبكرة وقبل وجود أي انتقالات، في حين 5% من السيدات يكتشفن إصابتهن بالمرض في مرحلة النقائل”، بحسب عبدلله.
“من أصل 754 مصابة بسرطان الثدي العام الماضي، 596 تماثلن للشفاء كلياً وانتصرن على المرض” يقول عبدالله، داعياً السيدات إلى “عدم الخوف من المرض”، مؤكداً أنه “أصبح أسهل بكثير من معظم الأمراض المزمنة سواء قصور القلب والكلى أو السكري”.
هنادي .. رحلة علاج طويلة بدأتها بعزيمة حديدية
“ما بدي موت” هي أول عبارة لفظتها هنادي باكيةً عندما أكَّد لها طبيبها المعالج إصابتها بسرطان الثدي في مرحلته الرابعة منذ شهرين.
اكتشفت هنادي لطف الله (ربّة منزل وأم لولدين وطفلة) وجود كتلة غريبة في ثديها الأيمن أثناء الاستحمام، “شعرتُ بالاطمئنان لأنها آلمتني عندما دسستها، حيث أخبرتني صديقتي أن الكتل المؤلمة غير مخيفة”، تقول هنادي لتلفزيون الخبر.
اطمئنان هنادي (38 عاماً) بدأ يتلاشى بمجرد مراجعتها الطبيب بعد أسبوعين، للاطلاع على نتائج الفحوصات والخذعة الجراحية، حيث “سبقت ملامح وجه طبيبها ما كان يتحضر لقوله”.
“هنادي الطب اتطور كتير وماعاد في شي اسمو مستحيل”، كلمات تمنَّت هنادي أن يُكثر الطبيب منها، علَّ “كلمة الحسم” التي يريد الوصول إليها تضل الطريق ما بين حنجرته وأذنيها.
“لم أستطع تمالك نفسي، ودخلتُ في موجة بكاء، متخيلةً السيناريو التقليدي المبدئي الذي يطرأ على البال في مثل هذه الحالة، إلا أن مشاعري انتقلت من منتهى الضعف إلى قمة التماسك خلال 5 دقائق”، تقولها هنادي بثقة.
“التفكير في أولادي منحني قوة غير طبيعية”، تضيف هنادي “مسحت دموعي وطلبت من زوجي التوقف عن البكاء، وسألت الطبيب عن خطة العلاج، أنا التي اعتدت القول أنني سأسلم للأمر الواقع في حال إصابتي بمرض كالسرطان ولن أدخل في متاهة العلاج منه”.
“سلمتُ بالأمر الواقع، إلا أنني لم أستسلم له، بل قبلته كما هو وقررت التعايش معه وإيجاد ما أمكنني من حلول لتغييره وإعادة حياتي إلى مجراها الطبيعي”، كلمات مليئة بالأمل تقولها هنادي قبل ذهابها مع زوجها إلى موعد جرعتها الكيميائية الثالثة من أصل ثمانية.
“تغييرات جسمانية جذرية طرأت على شكلي، لم أسمح لنفسي أن أحرق الوقت في الوقوف على أطلالها ورثائها”، تروي هنادي التي خضعت لعملية جراحية استؤصل عبرها كامل ثديها الأيمن.
تضيف هنادي : “بل قررتُ المضي قدماً بخطة العلاج، والبدء بالجرعات الكيميائية بأسرع وقت ممكن، فالعدو عادةً يأتي من الخارج، أما أنا عدوي في داخل جسدي وأود القضاء عليه بما امتلكه من أسلحة”.
“قوة عزيمة هنادي غريبة عنها للغاية ولم تعتدها يوماً”، حيث تسابقت مع الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي ووجهة له ضربة استباقية عندما حلقت شعرها بنفسها، تقول هنادي : “هوي بدو ياخد شعري، أنا بدي حياتي ورح آخدا منو”.
تعتقد هنادي أنها تستمد نصف قوتها من “ضحكة أولادها الثلاثة وعيونهم التي ترجوها الكفاح والاستمرار، ودعم زوجها ووقوفه إلى جانبها”، أما النصف الآخر “مافيي قول شو هوي لأني عنجد ما بعرفو”.
رحلة علاج هنادي مع الجرعات الكيميائية قد تطول وتتجاوز عدد الجرعات المحددة سلفاً، وذلك وفقاً لتجاوبها مع الدواء، لتبدأ بعد ذلك مرحلة العلاج الشعاعي ولاحقاً الهرموني، الذي تأمل خلاله أن تكون أنهت كتابها الأول الذي شرعت بتأليفه منذ أيام.
لم يخطر على بال هنادي التي لطالما حلمت أن تكون إحدى أميرات القصص التي روتها لها والدتها في صغرها قبل النوم، أنها ستكون بطلة حياة حقيقية، بدور محاربة سرطان ثدي، قد تروي في القريب العاجل – مثلما فعلت ندى – حكاية انتصارها عليه.
توفيق بيطار – تلفزيون الخبر