العناوين الرئيسيةكاسة شاي

“مع أول رعدة وقطرة مطر”.. “الشوربات” سلاح الأم السورية التقليدي في مواجهة برد الشتاء

بينما يتسابق أولادها الثلاثة للالتصاق بنوافذ المنزل عند هطول أول زخة مطر خريفية للاستمتاع بالمنظر، والتقاط ما أمكنهم من صور متنوعة لرفعها على “فيسبوك” و”إنستغرام”، تكون أم ابراهيم منهمكة بتحضير “شوربة العدس” التي لا يأتي خير فصل الشتاء من دونها ولا تكتمل طقوسه، بحسب وصف الأم السورية.

“أول ما يتبادر إلى ذهني عند هطول المطر واقتراب فصل الشتاء هو الشوربات على اختلاف أنواعها”، تقول أم ابراهيم (مدرسة لغة عربية في اللاذقية 51 عاماً).

تبتسم وتنظر إلى الأعلى وكأن سيلاً من الذكريات اجتاح مخيلتها : “رزق الله لما كانت أمي تجمعنا أنا وأخواتي الـ5 لناكل كلنا سوا من طنجرة الشوربة”، “الله يرحما”، تضيفها متحسرِّة.

اكتسبت أم ابراهيم من والدتها عادة تحضير شوربة العدس بمجرد انخفاض درجات الحرارة، فهي “أهم من كافة اللقاحات التي تؤخذ مؤخراً للوقاية من أمراض الرشح والزكام قبل قدوم فصل الشتاء”.

تتابع أم ابراهيم سرد فوائد الشوربة الصحية وتقول “فضلاً عن تقويتها للمناعة، فإنها تمد الجسم بالحرارة التي يحتاجها خلال الشتاء، وتساعد النساء اللواتي يتبعن “ريجيماً” لإنقاص أوزانهن فهي تملأ المعدة فوراً ولا تسبب السمنة”.

أما فوائدها الأخرى فتتمثل بـ”الناحية الاقتصادية” حيث “تناسب الشوربات جميع العائلات على مختلف مستوياتها الاجتماعية، يتناولها الغني والفقير وبتكلفة مادية بسيطة”، بحسب الأم السورية.

وعن خطوات تحضير شوربة العدس الخاصة بأم ابراهيم، تقول : “أقوم بإعدادها تبعاً لطريقة أمي التي ورثَتها بدورها عن جدتي”.

“أفضلها عادية دون أية إضافات، وأحبها أبنائي كذلك حيث تقتصر على العدس و”كمشة رز صغيرة” والليمون الحامض بعد الانتهاء من إعداداها”.

لمى (ابنة أم ابراهيم الكبرى) والتي لطالما امتنعت في صغرها عن تناول الشوربة، ودخلت في موجة نحيب تعلو وتيرتها وتنخفض، “معارضةً” وجبة الغداء “المقدسة”، أصبحت اليوم “مناصرة الشوربات الأولى” بعد زواجها العام الماضي.

تبوح لمى (مترجمة 25 عاماً) بسر تحول حالها المفاجئ من الرفض المطلق إلى القبول : “مازلت لا أحب الشوربة ولا أستسيغ مذاقها، إلا إنني بعد زواجي اكتشفت أنها أسهل أنواع الأطعمة إعداداً”.

تمارس لمى على زوجها نفس سياسة القمع التي طبقتها والدتها عليها لتناول الشوربا، “إلا أنه تقبل سريعاً فكرة سيطرة الشوربا بأنواعها على معظم أيام فصل الشتاء”.

“سلَّمتُ للأمر الواقع، منطلقاً من مبدأ “هاد الموجود”، على أمل أن تنجح لمى بإضافة صنف جديد غير الشوربا إلى قائمة الغداء في هذا الشتاء”، يقولها رامز (زوج لمى) “برجاء إلى الله”.

وتتنوع الشوربات في منزل السيدة أم علاء ( 42 عاماً مدربة رياضية في طرطوس)، التي لا تكتفي بأشهر أنواعها (العدس والأرز والسلق والخضار)، وإنما تعلمت أيضاً إعداد مختلف أصنافها الغربية الأخرى.

لم تُخفِ أم علاء تحيزها لأصناف الشوربات التقليدية، إلا أنها تعلمت مؤخراً تحضير أصناف جديدة من الشوربات، رغبةً منها بإرضاء أبنائها الذين يفضلون أصنافاً اعتادوا على تناولها في بعض المطاعم.

“ساعدني البحث على الإنترنت كثيراً بتعلم إعداد أصناف جديدة من الشوربات مثل الفطر، الجبنة، الكفتة بالبندورة وغيرها من الأنواع التي أحبها أولادي أكثر من تلك التي تناولوها في المطاعم”.

أما جورج (مهندس مدني 26 عاماً) فإنه “لم يكتشف مدى حبّه لشوربة أمه، إلا بعد سفره إلى السويد وإقامته فيها منذ عامين”.

“بكل تأكيد أول وجبة طلبت من والدتي تعليمي طريقة تحضيرها هي الشوربة”، مضيفاً، أنها “تتناسب جداً مع الصقيع الذي تشهده مدينة نايماكا الجليدية”، يقول جورج.

“لا أنكر أن الشوربة ساعدتني في مواجهة حدة البرد، إلا أنني سرعان ما اكتشفت أنها لن تمدني بالدفء القديم، لاشك أن أمي أخفت عني “سر الوصفة السري”، وهو أن دف الشوربة لا يمنحه إلا قلبها ويداها”، يتوقف جورج عن المراسلة بعد جملته الأخيرة.

عند الحديث عن الوجبات الشتائية التي تسارع الأمهات السوريات لإعدادها مع “أول رعدة ونقطة مي”، لا يمكن نسيان “الفاصولياء مع رب البندورة، السبانخ، الكشك ، يخنة البطاطا والشاكرية”، التي تحرص أم شادي على إعدادها أسبوعياً في قريتها بعمرة التابعة لريف صافيتا.

“لا يمكن حصر الوجبات التي تتناسب وفصل الشتاء بالشوربات فقط”، تقول أم شادي (ربّة منزل 60 عاماً)، “هناك الكثير من الأصناف التي لا يكتمل فصل الشتاء من دونها”.

تضيف أم شادي “تكثر خيرات الأرض في فصل الشتاء، لاسيما السلق والسلبين والهندباء وغيرها، والتي يمكن إعدادها بسهولة وبطرق مختلفة كوجبة ثانية مع أحد أنواع الشوربات”.

وتروي أم شادي “اعتدت في بداية كل أسبوع خلال فصل الشتاء، إعداد جدولٍ يتضمن جميع الأكلات التي ذكرتها، حيث يساعد كل منها في منح الجسم الدفء والطاقة التي يحتاجها، لا سيما مع درجات الحرارة المنخفضة في قريتي المرتفعة”.

ما ورثته أم ابراهيم عن والدتها، وما تقدمه أم شادي في “برنامج طبخها الأسبوعي”، ما هو إلا رابط خفي يجمع حال الأمهات السوريات، اللواتي مهما فرقتهن البيئات، إلا أن “وجباتهن المقدسة” مع اقتراب الفصل البارد تبقى ثابتة لا تغيرها “لازانيا” ولا “باستا”.

توفيق بيطار – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى