“تركني بعد أن تغير شكل جسمي” .. دور الشريك في الدعم النفسي والشفاء من سرطان الثدي
تحول مرض السرطان خلال عقود قليلة إلى “وحش” قاتل لا يرغب أحد بذكر اسمه حتى، وبعيداً عن أسبابه الكثيرة بحسب الطب، وطرق علاجه المؤلمة، يبقى مرضاً يرتبط علاجه والتقليل من وطأته بالعامل النفسي للمريض كما يؤكد العلم الحديث، ولسرطان الثدي خصوصية تأتي من ارتباطه بصفة أنثوية يساهم غيابها في التأثير على نفسية المريضة، وتتطلب تعاملاً خاصاً من المحيطين بها، خاصة الزوج أو الشريك في حال وجوده.
وتُجمع كثير من مريضات سرطان الثدي على دعم أزواجهن لهن في هذه المرحلة الحساسة والصعبة على الطرفين، على أن بعضهن لا يستطعن كتمان غصة سببها الاول إحساس بنفور الزوج دون أن تستطيع لومه أو تغيير واقع مفروض بعد إجراء عملية استئصال لكامل الثدي”، كما تروي “سناء” التي لم ترغب بذكر اسمها الحقيقي، لتلفزيون الخبر.
وتتابع بألم ” كان قراره بعد مرضي وإجراء الجراحة هو الزواج من ثانية، بحجة أن الأسرة بحاجة إلى من يعتني بها، لم يقل بصراحة أن تغير شكلي هو السبب، ولم أستطع تجنب الشعور بذلك، ولم أستطع حتى أن أعترض”.
ورغم شفاء سناء من المرض وعودتها لعملها وأولادها، ترك تعامل شريكها معها “أثراً لا يمكن علاجه” بحسب وصفها، و”هو مؤلم كالمرض وجرعات الدواء الحارقة، تجاوزت ذلك الآن ، ولولا أولادي وحاجتهم إلى وجودي لما تمسكت بالحياة بعد الذي حصل معي”.
وتطرح قصة سناء إشكالية هامة تتعلق بالمجتمع ونظرته إلى ما يعتبره “حق” الزوج بسبب غياب أو تغير جزء هام من الحياة الزوجية هو الجانب المتعلق بالجنس، المرتبط بهذا العضو الأنثوي الذي جرى استئصاله للحفاظ على حياة المريضة، ويحتاج إلى وعي كبير وتفاهم بين الشريكين في هذه المرحلة الحساسة.
رفضت بعض المريضات الإجابة عن سؤال حول طبيعة العلاقة الزوجية في مرحلة العلاج من المرض وما بعد الجراحة، معتبرات أن الحفاظ على الحياة هو الأهم، خاصة في وجود أطفال يحتاجون وجود أمهاتهن وهن قويات، وأجابت إحداهن ” وجودي إلى جانب ابني هو الأهم، وإن لم يعجب زوجي فهو حر باتخاذ القرار الذي يناسبه، المرض يجعل كل الخسارات في عين المريض بسيطة”.
وعلى جانب آخر، يبدو الود والامتنان واضحاً في عيني “مرام” وهي تحكي عن دعم زوجها وأهلها لها في هذه المرحلة الصعبة، وتقول ” الخوف من رفض الشريك ونفوره طبيعي في المرحلة الأولى ولدى اتخاذ القرار بإجراء الاستئصال، لكن تأكيد زوجي لي بأنني سأبقى في عينيه الفتاة التي أحبها شجعني كثيراً وأعتقد أنه ساعدني في الشفاء”.
شفيت مرام من مرض سرطان الثدي منذ سنتين، بعد رحلة علاج استمرت عاماً ونصف، أجرت خلالها استئصالاً لأحد ثدييها، وتشي إلى أنها راضية بما قسمه الله وقدره، وهذه التجربة على مرارتها أثبتت لها أن خيارها كان صحيحاً حين اختارت شريك حياتها قبل 15 عاماً.
وأشارت الأخصائية النفسية دانية حوراني لتلفزيون الخبر، إلى أن ” الدعم النفسي لمريض السرطان مهم جداً لزيادة فرص النجاة، ودعم القريبن له دور أساسي في تعزيز قدرة المريض على مقاومة المرض”.
وتابعت حوراني ” يشعر مريض السرطان في المرحلة الأولى بالوحدة والعزلة ويبدأ بطرح أسئلة مثل :لماذا أنا؟ وما الذي فعلته لأصاب بالمرض؟ ومن المهم أن يجد من يشاركه هذه التساؤلات، ويشعر المريض ان من البيئة المحيطة به أشخاصاً يثق بهم ويعرف أنهم إلى جانبه، فهو بحاجة إلى تعاطف وتفهم وليس الشفقة”.
وبالنسبة لمريضة سرطان الثدي، بينت حوراني أن ” المريضة تحتاج دعماً نفسياً في مرحلة الكشف المبكر والعلاج، فالاشخاص الداعمين من الممكن أن يكونا صلة وصل المريضة بالحياة، فيصبح حتى لألمها معنى، ويستطيع حينها اعتبار المرض تجربة لها جوانب إيجابية نتعلم منها، وتزيد عمق العلاقة وتعزز الثقة خاصة مع الشريك أو العكس”.
وأكدت حوراني أن ” التواصل الفعال من خلال الاستماع إلى هموم وشكوى المريض هام جد في العلاج، والتعبير عن فهمنا لما يمرون به، والإقرار بألمهم وأوجاعهم، دون التقليل منها، والسؤال الدائم والاستماع الجيد لمخاوفها في جميع المراحل”.
وأضافت حوراني “من المهم عدم معاملة المريضة على أنها عاجزة والسماح لها بالقيام بدورها المعتاد، خاصة من ناحية وجودها إلى جانب أبناءها في حال وجودهم، وممارسة دورها في حياة أسرتها حتى لو كان الاستماع إلى مشاكلهم وهمومهم، ومساعدتهم في تجاوزها، كما كانت تفعل قبل المرض”.
وأوضحت الأخصائية أن ” الزوج داعم أساسي لمريضة سرطان الثدي، خاصة في حال اسئصال جزء متعلق بأنوثتها ومظهرها، فتقبله لهذا الموضوع يلعب دوراً في تقبلها هي لتغير شكلها بهذه الطريقة الصعبة”.
وأردفت حوراني ” مرافقة الزوج لزوجته في جلسات العلاج وعنايته بمنزله والأولاد في هذه الفترة، إضافة إلى محاولته إدخال السعادة إلى قلبها بطرق مختلفة، تساهم في رفع معنوياتها وزيادة مقاومتها للمرض”.
وأشارت حوراني إلى أن “رضا الانسان عن مظهره الجسدي في الحالات العادية مهم جداً، وأمر يضمن له الحصول على التوافق مع البيئة التي يعيش بها والمجتمع حوله، وفقدان السيدة للثدي نتيجة الاستئصال، سيشعرها بالنقص لأنها خسرت شيء يعتبر صفة أساسية بالانوثة حسب معايير المجتمع”.
وتابعت “استجابة الاخرين لها تكون مختلفة وبالتالي نظرتها لنفسها ستختلف أيضاً، عدا عن أن استئصال الثدي سيؤدي إلى تغيرات في الشكل وعلاقتها الجنسية مع زوجها، وهنا يأتي دور الزوج من خلال سؤالها عن المخاوف التي تخطر لها، ويحكي بدوره عن مخاوفه بصراحة وشفافية، ومساعدتها على تقبل نفسها في الوضع الجديد”.
وأكملت حوراني “مهتمته أيضاً هي اكتساب عادات ومهارات سليمة في علاقتهم الزوجية، وبالمشاركة مع الزوجة والتواصل إلى علاقة تريح الطرفين ، حتى يوصل لها فكرة أن بإمكانهم الاستمرار كشريكين رغم التغيير الحاصل مثل أي شريكين آخرين، بوجود ثدي أو عدم وجوده، فالمحبة هي الاساس والجامع الأول بينهما”.
وهذا التفاهم يجب أن يتم في مرحلة ما قبل الاستئصال لتهيئة الطرفين للمرحلة الجديدة، فالمشاركة هي الشي المهم حتى تصل السيدة لرضاها عن شكلها فتحقق التوافق والصحة النفسية وتتجاوز المرض”.
وأكدت الأخصائية أن ” مريض السرطان عموماً يمر بسلسلة من الانفعالات غير المفهومة بالنسبة له، والمحيطين به غير قادرين على فهمه بشكل كامل أيضاً، فلا يمكن تجاوز المخاوف دون تحديدها بشكل واضح، وعلى الداعم النفسي تذكيره بنقاط القوة لديه، والصعوبات السابقة التي مر بها المريض وتمكن من تجاوزها، وهذا يشمل تذكير الرجل لزوجته بكل الصفات الجميلة التي تتمتع بها والتي أحبها من أجلها”.
وتنطلق مع بداية شهر تشرين الأول من كل سنة حملات التوعية للكشف المُبكّر عن “سرطان الثدي” في مختلف دول العالم، ويُطلق على هذا الشهر أيضاً “أكتوبر الوردي”.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن هناك نحو 1.38 مليون حالة جديدة تحدث للإصابة بسرطان الثدي و458 ألف حالة وفاة من جراء الإصابة به.
وتشير إحصائيات عالمية إلى أن عدد الوفيات الناتجة عن مرض السرطان في الدول النامية، يشهد تزايدًا كبيراً بسبب الحروب، وغياب العلاج، مع التأكيد على ارتفاع نسب الشفاء التام مع الكشف المبكر للمرض.
رنا سليمان _ تلفزيون الخبر