المغنية “سناء بركات” تحرر “الأغنية السريانية” من ارتباطاتها التقليدية
أهم ما قامت به المغنية السورية “سناء بركات” في أمسيتها التي قدَّمتها على مسرح المركز الوطني للفنون البصرية أنها حرَّرت “الأغنية السريانية” من ارتباطاتها الدينية في الأذهان، مميطةً اللثام عن أغانٍ شعبية تحكي عن الحب والشوق والارتباط بالأرض…
وفي استحضارها لأغنيات من التراث السرياني بصوتها الذي يُشبه “حفلة كاملة” كما وصفته أستاذة الغناء “آراكس تشيكيجيان”، تواصَلَ الجمهور مع موسيقا تعود جذورها إلى حضارة ما بين النهرين، استطاعت أن تمتد في الزمن عبر العديد من الحضارات بخصوصية في الأوزان والمقامات والروح.
تسع أغنيات قدَّمتها “سناء” بخامة صوتية مميزة جعلت المستمعين غير العارفين باللغة السريانية يتعاملون مع صوتها كآلة موسيقية إضافية، لكنها أبلغ في إيصال الحب والشجن والأشواق ومحبة الأوطان، وأبهى في إحياء الفرح والتفاعل مع إيقاعاته المختلفة وألحانه المُعتَّقة.
من دون أن يلغي ذلك جماليات أداء العازفين الذين أتقنوا أدوارهم، لاسيما مع الأبعاد الخاصة للموسيقى السريانية، والروحية الفريدة التي تتمتع بها، وزاد من ألقها الإشراف الموسيقي لجورج طنوس وإعداده للمعزوفات إلى جانب “ناريك عبجيان، ومهدي المهدي”.
بعد موسيقا “هيمونوثو” للكبير “نوري اسكندر” افتتحت “بركات” حفلها بأغنية “نينوى” (كلمات سنهريب سارو وألحان حبيب موسى)، شارحةً من خلالها حالة الحنين للسهرات الجميلة التي نفتقدها والاشتياق لنظرات العيون وكلمات الحب والإخلاص للحبيبة التي لا تنسى أبداً، ثم “عيونو ثوخ” لنفس الملحن وكلمات سعيد يلدز، وفيها تخاطب عيون الحبيب الضائع بفعل الاغتراب والفراق.
أما أغنية “مارلي أو نهرو” للمطران “جورج صليب” فتحكي عن كيف يرتمي ماء دجلة فوق عشب الفرات، حيث الشمس تقضي على العتمة، والحضارات تلوذ بذاك المكان حيث تنتعش الجذور، ليتوالى الغزل بالمحبوب مع لحن فولكلوري لـ”بدربو دلوقينا” (كلمات عبود شمعون) أي في الدرب التقينا، وكان ذاك اللقاء بمثابة عرس، وأغنيات الحب التي تعلمتها من حبيبها لا معنى لحياتها من دون وجوده فيها.
كما غنَّت “سناء بركات” أغنية باللغة الآشورية كانت فائقة بجمالها بعنوان “قالا دارييه” (كلمات وألحان شمعون كينا) وفيها فرح وتهليل لوصول عربة “شاميران” والمقاتلين حاملي الرايات، وفيها تحفيز وعنفوان واضح لبناء المدينة والتنعم بخيراتها والتغزُّل بحكمة حامورابي التي تحميها والبطل المغوار الذي دخل الأسطورة من أوسع أبوابها.
واستكملت الأمسية بأغنية “بوشالو” (كلمات جورج شمعون وألحان جوزيف ملكي) وفيها نزهة حبيبين من “نصيبين” إلى “ماردين” إلى “دير الزعفران” وانتهاء بـ”نيبيل” التي سيقيم فيها العاشقان عرسهما، ويستمر الغزل لكن بنكهة حزينة هذه المرة من خلال “حوبو عاتقتو” لجورج شمعون ولحن لحبيب موسى، حيث باتت أيام المحبوب حزينة بسبب بعد الحبيب، الذي يطالب محبوبته بالعودة إلى قلبه لأنه تعب من الانتظار.
أغنية “زبني ودوري” التي كتبها “نينوس آحو” ولحنها من الفلكلور، تصف حياة المزارعين والتعاون بينهما وإيمانهم بالوصول إلى مستقبل جميل ما داموا مجتمعين، لتختتم الأمسية بأغنية “زمرينا ورقدينا” كلمات عبود شمعون ولحن “جان كارات” وجاء في ترجمتها: سنغني ونرقص حتى الصباح، وسنرفع كأس المحبة، الطيور في السماء شاهدة على حبنا الذي سيبقى مكتوباً بدمنا، وسنكون سوياً حتى بعد الممات”.
تقول المغنية “سناء بركات” في تصريح خاص بتلفزيون الخبر: بدأت بالترنيم السرياني منذ صغري، لكن مع الوقت وبعد دراستي الأكاديمية أحسست أن من واجبي كموسيقية بالدرجة الأولى، وكسريانية بالدرجة الثانية، أن أعرّف الناس على هذا التراث الذي يحتوي العديد من الألحان الشعبية بعيداً عن اللحن الكنسي.
وتضيف: بدأت العمل على هذا المشروع، وكنت أتقصد دائماً تقديم أغنية سريانية واحدة على الأقل في الحفلات الموسيقية التي أحييها سواء في دمشق أو في باقي المحافظات، متمنيةً أن أكون جزءاً من المساهمين في إحياء هذا التراث.
وعن خصوصية الموسيقا السريانية تقول “سناء”: تتميز بنظام الألحان الثمانية، وكل لحن فيها مبني على جنس موسيقي معين، والجنس مؤلف إما من ثلاث درجات أو من أربع أو خمس درجات متتالية صعوداً أو هبوطاً، هذه الأجناس هي: البيات، السيكا، الراست، الحجاز، النهوند، الصبا، العجم، الكرد.
وتوضح أن صيغة أو قالب الأغنية مرتبط بصيغة القالب الشعري الذي بنيت عليه، فهناك قالب أحادي وثنائي وثلاثي أو قالب السويت، قائلةً: كما تتميز الأغاني السريانية بالأوزان المتعددة والمرتبطة بأوزان الشعر السرياني، فبالإضافة إلى الأوزان التقليدية الثنائي والثلاثي والرباعي، نجد العديد من الأوزان المعقدة مثل الخماسي والسباعي والوزن الأحد عشري، وهناك رقصة خاصة بكل وزن.
أما عن الاختلاف بين الموسيقا السريانية والعربية، تقول “سناء”: في الموسيقا السريانية تعزف النوطات أعلى بـ”كوما” أو أكتر عن الموسيقا العربية، وهذا ما يميزها، والـ”كوما” تُشكِّل تسع البعد الكامل وتؤدي إلى اختلاف الطبوع والأجناس والعقود الموسيقية المكوَّنة.
جاءت الأمسية بإشراف موسيقي لعازف الكمان “جورج طنوس” وشاركه على الكمنجات كل من “عمار يونس، وسيم إمام، أنس سراي الدين، طارق خوري، حسان نادر”، وعلى الفيولا: محمد زغلول ومهدي المهدي، و”محمد نامق” على التشيللو، و”باسم الجابر” على الكونترباص.
كما تضمنت الفرقة الموسيقية، “إبراهيم كدر” على الناي، وحكم خالد على القانون، و”باسم الجابر” آخر على البزق، وفي الإيقاع كل من: عفيف دهبر ورواد جلول، وعلى البيانو: راما نصري.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر