“هبّول التين” من منتج ريفي تراثي إلى سلعة تجارية قابلة للتصدير
عانى الفلاح السوري خلال سنوات الحرب والأزمة الاقتصادية من ضعف الموارد والدخل المادي، ولذلك كان عليه البحث عن مصادر دخل إضافية وجديدة، و كانت المأكولات الريفية التراثية المصنعة يدوياً في البيوت إحدى هذه المصادر، لتدعم دخله ولو بالقليل .
وكان الطلب على المأكولات الريفية قليلاً في السابق، نتيجة قلة العرض، وضعف التسويق وانخفاض أسعارها غير المشجعة على التجارة بها، كما أنها كانت تصنع للمؤونة لفصل الشتاء وليس للتجارة، ومنها منتجات دبس العنب وهبول التين والزبيب والخل وغيرها.
و”هبول” التين الذي بات من المأكولات المشهورة مؤخراً بعد أن ارتفع الطلب عليه نتيجة زيادة العرض وتحسن التسويق بعد انتشار فوائده عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي لعبت دوراً هاماً في التسويق كونها مجانية ومباشرة.
وأصبحت صفحات “الفيسبوك” تمتلئ منذ بداية شهر أيلول بصور “هبول” التين المعروضة من قبل الفلاحين والتجار أيضاً وبأسعار تنافسية.
الخبير الزراعي حسان قطنا قال للتلفزيون الخبر إن “شجرة التين تنتشر زراعتها في المناطق الجافة وشبه الجافة و قامت البحوث العلمية الزراعية بحصر سلالات التين المنتشرة في سوريا وخاصة في محافظة إدلب التي زرع فيها ٣٩٠٠ هكتار من التين”.
وتابع ” تليها محافظة ريف دمشق ثم محافظة حماه، ويصل الإنتاج السنوي إلى أكثر عن ٥٠ ألف طن”.
وأضاف حسان أن “اهتمام الفلاحين بخدمة ورعاية أشجار التين ارتبط بأسعار منتجاتها بعد أن أصبح إنتاجها يزيد عن حاجاتهم الغذائية واتجهوا إلى تسويقها بشكلها الطازج أو المصنع، حيث يحقق تسويق التين المصنع بأشكاله المختلفة المتعارف عليها قيمة مضافة عالية وخاصة أن منتجات التين غير قابلة للتخزين إلا مصنعة” .
وتابع قطنا ” كان للسعر دوراً رئيسياً في تشجيع الفلاحين على الاهتمام بهذا المنتج، فبعد أن كان سعر الكيلو غرام الواحد من التين الأخضر الطازج لا يصل إلى الخمسين ليرة سورية في أحسن أحواله قبل الحرب ، بات الآن يتجاوز الألف ليرة سورية”.
وأردف “وإن تم تجفيفه أو كما يسمى (المسطوح) وشكه بالخيطان (القلايد) فإن السعر يرتفع ويصل إلى نحو الألفي ليرة سورية” .
واضاف “وإن تم طحنه وعجنه ليصبح “الهبول” فإن السعر يصل للثلاثة آلاف ليرة سورية أو أكثر، ويختلف السعر بحسب نوعية التين وما يتم إضافته له خلال تصنيعه فالبعض يضيف إليه المكسرات كالجوز، أو جوز الهند أو قشرة القمح (الفرفورة).
وتابع الخبير الزراعي ” وأصبح من الطبيعي أن تشاهد على مفارق القرى بسطات لبيع هذا المنتج بالإضافة إلى منتجات ريفية أخرى سعى الفلاح لبيعها لتدعم دخله المادي الضعيف”.
ومع دخول التجار على الخط بدأ تسويق هذا المنتج بالانتشار وأصبحوا يتجولون في القرى ليضمنوا الأراضي المزروعة بالتين وتخزين كميات كبيرة بعد تجفيفه لتسويقه في الموسم الشتوي والتحكم بالأسعار.
ووفق أحد التجار الذي تحدث لتلفزيون الخبر فإن “هناك مساعي لدى بعض التجار لتصدير هذا المنتج إلى عدة دول ومن ضمنها روسيا كمنتج من الفواكه المجففة التي تشتهر صناعتها في سورية”.
وهنا يوضح قطنا أن “اتجاه التجار حالياً إلى تسويق هذه المادة داخلياً وخارجياً شجع الفلاحين إلى إعادة الاهتمام بخدمة الأشجار المزروعة لا بل التوسع بزراعة مساحات جديدة لتلبية الطلب عليها وخاصة أن هذه الشجرة متحملة للجفاف ولا تحتاج الى خدمات زراعية كبيرة”.
معتبراً أن” ما يجري حالياً يؤكد أن سوريا تنعم بخيرات كثيرة وإنتاج وفير من المنتجات الزراعية التي تحتاج إلى معالجة المشاكل التي تواجه سلاسل القيمة لها وخاصة السلسلة التسويقية”.
وبين أن “هناك منتجات زراعية كثيرة يمكن إنتاجها وتحقيق قيم مضافة منها عند وجود شركات تسويق متخصصة تضمن للفلاح والمزارع التسويق المضمون والربح المحقق”.
وذكر الخبير الزراعي قطنا أن “سوريا تتميز بمناخها المتوسطي الذي يتيح لها زراعة ما يزيد عن ٨٥ نوع نباتي من الأشجار المثمرة والمحاصيل والخضار والنباتات الطبية والعطرية، وارتبطت المساحات المزروعة بالخطط الحكومية التي رسمت السياسات الزراعية وحددت الأنواع الملائمة للزراعة حسب مناطق الاستقرار الزراعي”.
يذكر أن التين يتنوع بأسمائه وأصنافه في سوريا وخاصة في المناطق التي تتركز زراعته فيها، ومنها منطقة مصياف وقراها وريف حمص فهناك؛ السماقي والبورطاطي والخضراوي والصفراوي والشبلاوي والبريغلي، والتين الأحمر.
وللتين العديد من الفوائد الصحية إن كان طازجاً أو مجففاً لغناه بالمعادن والفيتامينات وأشهرها الكالسيوم والحديد والمنغنيز والبوتاسيوم بالإضافة إلى الأوميغا 3 والأوميغا 6 والأحماض الدهنية.
علي محمود سليمان – تلفزيون الخبر