عروس الصحراء “تدمر” حزينة
هكذا تبدو اليوم حجارة آثار مملكة تدمر حزينة، تلك الحجارة التي اعتادت على شجاعة الفرسان وصليل السيوف، فغدر بها “صليل صوارم داعش”، مفجراً حقده فيها.
لتغدو المدينة أثراً فوق أثر لكنها بقيت متكئة على شرفات المجد بسحرها و جمالها، شامخة بأعمدتها متربعة على عرش الأوابد التاريخية وسط البادية السورية.
هي الأعجوبة التي يتباهي بها السوريون.. درة التاج الحاضرة بتاريخها العريق الذي يعود إلى القرون الميلادية الثلاث الأولى والتي ازدهرت في عهد ملكتها زنوبيا وكانت بوابة القوافل التجارية العابرة على طريق الحرير بين الشرق والغرب والواقعة شرق حمص ب 160 كم.
حيث قال مدير دائرة الآثار في حمص المهندس حسام حاميش لتلفزيون الخبر: “تجاوز حجم الضرر الذي لحق في مدينة تدمر الأثرية 80% على يد تنظيم “داعش” الإرهابي الذي استخدم المتفجرات في تدمير أهم معالمها الأثرية”.
وأوضح حاميش أن “المواقع التي تضررت بالدرجة الأولى هي “معبد بل” وهو إيقونة مدينة تدمر التي تعد مدينة متكاملة ومميزة على مستوى العالم من حيث أصالتها و تنظيمها من أحياء تجارية و ثقافية و اجتماعية”.
و أضاف حاميش أنه ” تم تفجيره بكميات كبيرة من المتفجرات وبقي منه صامداً البوابة الرئيسية، حيث تمت مراقبة وضعها الإنشائي على مدار أكثر من عامين والتأكد من سلامتها من حيث الإنشاء أو السقوط”.
و قال حاميش: إن “الخبر السار أنه تم التأكد من سلامة أساس تحت منسوب الأرض لمعبد “بل”، وفق الدراسات الجيوفيزيائية التي أجرتها المديرية العامة للآثار والمتاحف”.
و تابع حاميش “بالدرجة الثانية “قوس النصر” و هو أقل تضرراً وكذلك المسرح التدمري مع إمكانية الترميم بعد دراسة مخطط الانهيار أما “معبد بل” فيحتاج إلى دراسات أعمق”.
وأكد حاميش أن “المديرية العامة للآثار والمتاحف على تواصل دائم مع الجهات المعنية بمدينة تدمر والمنظمات المهتمة، حيث تم إنجاز كم كبير من الدراسات الترميمية لأهم الآثار التي تضررت على رأسها معبد بل وقوس النصر معبد بل شمين”.
وأضاف حاميش “نأمل الانتقال من الدراسات إلى البدء بأعمال الترميم بالتنسيق بين المديرية العامة للآثار والمتاحف مع اليونسكو والجهات المعنية والأصدقاء الروس، وهذا يحتاج إلى جهد وتنسيق كبيرين”.
وبين مدير دائرة الآثار بحمص لتلفزيون الخبر أن “المديرية العامة للآثار والمتاحف نفذت مع الجهات المعنية بعض المشاريع الوقائية والإسعافية في المدينة الأثرية ومنها إزالة الكتابات التي خلفتها عصابات “داعش” على الآثار”.
وأضاف حاميش “كذلك ترميم بعض التماثيل التي خربها تنظيم “داعش” وكان من الصعب على المديرية العامة نقلها لوزنها الكبير، و العمل جارٍ على ترميمها بخبرات وطنية في مخابر المديرية”.
وأشار حاميش إلى أنه “تم تنفيذ مشروع ترحيل الأنقاض التي خلفها تنظيم “داعش” في المدينة الأثرية بالتنسيق مع مجلس محافظة حمص حيث بلغت كميتها 3 آلاف متر مكعب”.
وبين حاميش أنه “بالتعاون مع مجلس مدينة تدمر قريباً سينفذ مشروع لإنارة جزء من المدينة الأثرية ومد خط على جانبي الطريق الحجري وصولاً لقوس النصر، وفق شروط “اليونسكو” بحيث لا يُساء للمنظر الجمالي للآثار”.
و بيَن حاميش أنه “يتم أيضاً التنسيق مع مديرية السياحة في حمص، لترميم دار الضيافة في المنطقة الأثرية وفق شروط ومواصفات المديرية، وسيخصص لاستقبال الضيوف والخبراء وسيكون مقراً للبعثات العاملة في مجال الترميم”.
وعن متحف تدمر وحجم التخريب الذي لحق به، قال المهندس حاميش أنه “كما هو معروف عملت مديرية الآثار والمتاحف على نقل 90 % من الآثار الموجودة في المتحف قبل دخول “داعش” إلى المدينة عام 2015 ، و لم يترك سوى القطع الثقيلة التي تحتاج لآليات”.
وأضاف “بلغ حجم التخريب الإنشائي نحو 70 % وتم تخريبه بشكلٍ كامل من أساس و تجهيزات”.
وأردف حاميش “كنا نفضل بناء متحف جديد لكن استقرت المديرية العامة على إعادة ترميمه و تأهيله، ليبقى شاهداً على ما قامت به عصابات تنظيم “داعش” من تخريب”، كاشفاً أن “عملية ترميم المتحف ستكون أولى مؤشرات ترميم المدينة الأثرية”.
الجدير بالذكر أنه تعتبر مدينة تدمر الأثرية من أبرز مواقع التراث العالمي المُدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
وتنتشر أوابدها على مساحة كبيرة، ومنها الشارع المستقيم المحاط بالأعمدة وقوس النصر والمسرح والمدرج والقصور والمعابد، وأهمها معبد “بل” والمدافن الملكية وغيرها التي تحدثنا عن عظمة مملكة نافست عاصمة الإمبراطورية روما أيام مجدها وأصبحت عاصمة لأهم ممالك الشرق.
وكان تنظيم “داعش” دخل تدمر أول مرة في 21\5\2015، وعاود دخولها ثانية بعد تحريرها في 11\12\2016 ليعيث فساداً في المدينة التاريخية مرتبكاً المجازر على مسرحها الأثري، مدمراً أهم معالمها، كما عمد التنظيم على إعدام عالم الآثار السوري “خالد الأسعد ” بطريقة وحشية.
تلفزيون الخبر _ حمص