كيف تطور “الجوكر” من شخصية مصورة إلى الشرير الأول في السينما؟
“الجوكر” هو شخصية خيالية شريرة تم خلقها من قبل “Bill Finger” و”Bob Kane” و”Jerry Robinson”، حين استلهموا الفكرة وملامح الشخصية من صورة للممثل “Conrad Veidt” في فيلم “الرجل الذي يضحك” المأخوذ عن رواية “لفيكتور هوغو”.
وظهر الجوكر لأول مرة في العدد الأول من الكتاب الهزلي “Batman” في عام 1940، حيث تم تصويره على أنه مختل عقليا ولديه شعور سادي مختلط مع الفكاهة.
وهنالك العديد من القصص الأصلية المحتملة التي تفسر نشأة الجوكر، ولعل أبرزها قصة سقوطه في خزان من النفايات الكيميائية التي صبغت بشرته باللون الأبيض الناصع وحولت شعره إلى اللون الأخضر وشفاهه إلى اللون الأحمر القاتم، فتشوه فمه مما أعطاه علامته الفارقة وهي “الابتسامة الدائمة”.
وكان “Jerry Robinson” صرح في لقاء له مع صحيفة “Los Angeles Times” بخصوص بداية التفكير في خلق شخصية الجوكر قائلا: لقد أردنا أن نرى شريرا مذهلا قادرا على اختبار قدرات باتمان، ولكنه يجب ألا يكون مجرما عاديا أو كلاسيكيا بحيث يسهل التخلص منه”.
وأضاف “لقد أردنا شخصية غريبة، شخصية يمكنها التطور لكي تصبح قادرة على صنع صراع قائم على التناقض بشكل دائم مع باتمان، شيء شبيه بالعلاقة بين شيرلوك هولمز وبروفيسور مورياتي”.
هذا كله عن بداية ظهور الجوكر في عالم القصص المصورة والهزلية، ولكن ماذا عن بداية الجوكر في عالم الفن السابع، كيف تمت معالجة هذه الشخصية في السينما، ومن هم أهم الصناع؟
سيزار روميرو:
هو الممثل الأول الذي رسم شخصية “الجوكر” على التلفاز ما بين عامي 1966 و 1968، وكان يبلغ 59 عاما عندما قام بتأدية دور “الجوكر”، الذي أعاد له قليلا من رونقه وشهرته التي شهدت فترة من الخفوت.
وقال روميرو في مقابلة تلفزيونية له في عام 1966 “من خلال تأديتي لشخصية الجوكر، استطعت أن افعل كل ما قيل لي ألا افعله كممثل”.
وفي العام الأول من العرض، احتل مسلسل “Batman” المرتبة الخامسة في التصنيف في أمريكا مع 14 مليون مشاهد، ولكن سرعان ما تلاشت هذه الحالة، واستمر المسلسل موسمان آخران فقط.
وتعرض العمل التلفزيوني للكثير من الانتقادات من قبل النقاد، حيث كان مليئاً بالنكات الهزيلة والبشعة، وافتقر إلى الكثير من المعايير الهامة كالقصة الفريدة والحوار الجذاب، إضافة إلى الأداء الرديء لمعظم الممثلين، وعلى الرغم من كل هذه السلبيات، يرى البعض أن أداء روميرو كان مصدر إلهام للممثلين الذين أكملوا مسيرة “الجوكر”.
جاك نيكلسون:
في عام 1989 اكتسح فيلم “Batman” من إخراج “تيم بيرتون” عالم الشاشة الكبيرة، ولا مجال للشك في أن العملاق جاك نيكلسون هو السبب الرئيسي لهذا النجاح.
لعب نيكلسون دور الشرير الأكثر شعبية في عالم الكتب المصورة بطريقة استثنائية، فتحول الجوكر على يده إلى المهرج الذي يفضل الكوميديا السوداء، الرجل الذي يجد العدالة “الغائبة” في الفوضى الجامحة، والمجرم الذي لا يهتم بالكسب المادي، صاحب البذلة الأرجوانية الداكنة والضحكة التي تسخر من حاملي لواء الجدية.
كان نيكلسون ساحرا للغاية، لدرجة أن الأعين ترفض التركيز على أي شيء آخر أثناء وجوده على الشاشة، وكأن شخصية “باتمان” غير متواجدة في الفيلم، ومن يستطيع أن ينسى صوت نيكلسون وملامح وجهه حين يقول: “هل سبق لك وأن رقصت مع الشيطان تحت ضوء القمر الشاحب؟”.
هيث ليدجر:
استغرق الاستعداد لشخصية “الجوكر” جهدا كبيرا ووقتا طويلا من هيث ليدجر، حتى أنه قام بالانعزال عن العالم الخارجي لمدة شهر كامل في أحد الفنادق، في محاولة منه لفهم ودراسة الشخصية والوصول إلى الصوت والضحكة الأمثل اللتان ستميزاه عن غيره.
وإذا بحثنا في تاريخ أفلام الكتب المصورة، فلن نجد شيئا يشبه ما فعله هيث ليدجر مع شخصية “الجوكر” في فيلم “The Dark Night” للمخرج المبدع “كريستوفر نولان”، حيث قام ليدجر بتأدية الشخصية بطريقة مخيفة ومرعبة، نظر من خلالها إلى أعماق النفس البشرية، مقتربا من الهاوية وملامسا للظلام الكامن فيها.
وحاز بفضل هذا الأداء على جائزة الأوسكار في فئة أفضل ممثل مساعد، وهي جائزة الأوسكار الوحيدة في طوال تاريخ أفلام الكتب المصورة، وتوفي هيث ليدجر عن 29 عاما، بعد أن أجمع النقاد على أنه أفضل من جسد شخصية “الجوكر” متفوقا بذلك على جاك نيكلسون.
خواكين فينيكس:
أثار فيلم “Joker” من بطولة “خواكين فينيكس” الصخب الأعلى في العالم، حيث قوبل بحفاوة منقطعة النظير في مهرجان البندقية السينمائي، وحصد جائزة الأسد الذهبي كأفضل فيلم في المهرجان.
وبحسب النقاد فإن الفيلم على عكس كثير من الأعمال الحديثة التي تندرج ضمن صنف أفلام القصص المصورة غارق في العدمية وكره الذات، ولا يتحدث عن شخصية الجوكر المألوفة في قصص باتمان المصورة ولا في الأفلام السينمائية السابقة، بل يتحدث عن شخص مضطرب يعيش مع والدته ويحتقر المجتمع.
كما نوه النقاد إلى أن الفيلم شبيه بأعمال “مارتن سكورسيزي” الكلاسيكية، حيث تمت الإشارة إلى كل من الحس الفكاهي السوداوي من فيلم “ملك الكوميديا” والعزلة المدنية والغضب من فيلم “سائق التاكسي” كتأثيرات واضحة على الفيلم.
وكتب الناقد السينمائي “أليكس بيلينغتون” من موقع “FirstShowing” تغريدة انتشرت بشكل كبير على تويتر، “سيكون هناك مرحلة ما قبل الجوكر ومرحلة ما بعد الجوكر، لا أعلم إن كان العالم متهيئاً لهذا الفيلم، إنه شديد التعقيد، إنه جنوني، إنه جريء”.
ولكن إلى متى يبقى “الجوكر” خطوة مرحب بها في عالم الشاشة الكبيرة، وهل سيكون هنالك تجارب متفردة وغريبة الأطوار، يصنعها كتاب ذوو رؤى خاصة ومميزة حول شخصية “الجوكر” مما يضمن نجاتها، أم سيكون مصيرها الموت المحتم بعد 79 عاما من الاستهلاك.
جاد ونوس – تلفزيون الخبر