عرض “كيميا” لـ”عجاج سليم”.. الرِّهان على إلغاء راء “الحرب”
يراهن المخرج “عجاج سليم” في عرضه “كيميا” الذي أعده عن نص “مجالات مغناطيسية” للكاتب الروسي “ألكسندر اوبرازتسوفي” على الحب، دافعاً العبث الذي خلفته الحرب إلى إلغاء حرف الرَّاء منها، محوِّلاً إياه إلى حبّ خالص بعيداً عن ذكريات الألم واللاجدوى والوحشة.
“كيميا” الذي قُدِّم ضمن صالة الدراما في دار الأوبرا السورية ويتابع عروضه على خشبة مسرح الحمراء يتحدث عن رجل وامرأة يقعان ضمن مجال مغناطيسي، يشدُّهما إلى بعضهما، ورغم أن “الرجل.. زامل الزامل” متزوج ويعيش تحت سطوة “امرأته.. نجاح مختار” وطلباتها، و”المرأة.. علا السعيد” ذاهبة إلى عرسها، إلا أن انجذابهما “المغناطيسب” جعلهما يتعلَّقان ببعضهما، ويعيشان لحظات حب صافي، بعيداً عما تفرضه تقاليد المجتمع البائسة.
المفارقة في العرض تمركزت تحول عدم إمكانية فصلهما عن بعضهما لأكثر من ثلاثة أمتار، وكيف ستتمكن العروس من الزواج، ما يؤجج استياء “خطيبها.. طارق نخلة”، لكنه يرضخ في النهاية مُضطراً، إذ لا فكاك من ذاك المجال المغناطيسي رغم الكثير من المحاولات التي باءت بالفشل.
وبعد الظرف الاستثنائي الذي فرض وجود الرجل والمرأة مع بعضهما، تتحرر إرادتهما، ويميلان إلى بعضهما بعيداً عن ذاك الانجذاب المفروض، ليصبح قرارهما أكثر قيمة في إعلان حبِّهما، بغض النظر عن تاريخ كل منهما وبيئته وظروفه، ليكتمل الرِّهان الفكري الذي جاء كمقولة على لسان شخصية “المتسكع.. مأمون الفرخ” من أنه “علينا أن ننهزم أمام الحب، لأننا بذلك وحده ننتصر”.
كوميديا سوداء وحالة من الغرابة تحيط تفاصيل العرض الذي نحا باتجاه المسرح الحديث في شكله، حيث شاشة يُعلن منها “محمود درويش” بأن “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، وتستمر من خلال المتسكع/الفيلسوف/ الشاعر الذي يفرح بأن الأحداث تتوالى منتصرةً للمحبة، ولكل فعل إيجابي يصب في المصلحة الإنسانية عموماً، ولو كانت ضد الشرائع الاجتماعية.
حالة العبث نشهدها أيضاً من خلال “الأب.. وليد الدبس” و”الأم.. سلوى حنا” في استرجاعهما لمرارات حياتهما التي قضياها من دون حب، وعدم رغبة الأب في أن تكرر ابنته تجربته الأليمة في العيش من دون رغبة، ودرءاً لذاك العبث يقف إلى جانب ابنته في علاقتها الغريبة من ذاك الرجل المتزوج.
في موازاة ذلك نجد شخصيتا الشرطيين والممرضين في مشفى الأمراض العقلية (جسدهما “فادي الحموي”، و”سليمان قطان”) بغرابتهما كتأكيد على جنون الواقع، وعدم اتزان معطياته، والذي دفع “الزوجة.. نجاح مختار” للاستشراس في حماية زوجها من هذه “اللعبة الغبية” كما وصفتها، لكن من دون جدوى، فالحب بين زوجها وتلك المرأة أكل أكُله وانتهى الأمر.
وبين إضاءة “بسام حميدي” التي واكبت بحساسية عالية ذاك المجال المغناطيسي، وموسيقا “محمد عزاوي” التي عزَّزت المناخ الكوني للحكاية وعظمة الحب، بالشراكة مع ديكور “ياسمين أبو فخر” بستائره المُسدلة أمام الممثلين والتصاميم الحركية التي ظهرت على الشاشة في عمق الخشبة، تشابَكَ فضاءٌ فيزيائيٌّ جميل ساهم إلى درجة كبير في الإمعان بكيمياء الحب ببعدها الإنساني العميق.
عن حيثيات هذا العرض يقول الدكتور عجاج سليم لتلفزيون الخبر: “اخترت هذا النص لكونه من النصوص الروسية الحديثة القريبة من مسرح العبث، والتي جاءت كنتيجة من نتائج الحرب بسبب إحساس الإنسان بانعدام اللاجدوى بعد فقدان الحلم وعدم إمكانية التفكير بأي مستقبل، لاسيما مع ما يرافق ذلك من الانكفاء نحو الذات والانطواء ضمن جزر معزولة”.
وفقاً لتلك الرؤية أخضع المخرج ذاك النص لإعداد يركز على قسوة النهايات، مازجاً – كما صرح لتلفزيون الخبر- بين المرحلة التعبيرية في الشكل والإخراج، وما بين عبث حياتنا، بغية تقديم شكل مختلف عما قدمه سابقاً في أعماله، فذهب باتجاه المسرح الحديث بما يتضمنه من فيديو واشتغال على الغرافيك مع السعي لعدم تشتيت الجمهور وبحيث لا يكون هذا التوجه على حساب عمل الممثل ومقولة العرض.
يذكر أن “كيميا” مستمر حتى الخامس عشر من أيلول الجاري على خشبة الحمراء وهو من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة.
بديع صنيج – تلفزيون الخبر