حين كان للمسرح السوري أعلامه التي لا تُنكّس.. سعد الله ونوس في ذكرى وفاته
بين التاريخ والوجودية والألم المبدع، نبض مسرح سعد الله ونوس، بشخصيات وأفكار وأسماء رسخت في ذاكرة السوريين، في وقت يعاني فيه المسرح السوري من انعدام نصوص وعروض تبقى حيّة، كتلك التي رسمها وصاغها ونوس، والذي اعتبر دائماً أن “المسرح ظاهرة حضاريَّة مركَّبة سيزداد العالَم وحشةً وقُبحاً وفقراً لو أضاعها وافتقر إليها”.
وبحسب عدة مصادر، ولد المسرحي السوري “سعد الله ونوس” في قرية “حصين البحر” في طرطوس عام 1941، وفي فترة مبكرة بدأ يقرأ ما تيسر له من الكتب والروايات، وكان أول كتاب اقتناه وعمره 12 سنة هو “دمعة وابتسامة” لجبران خليل جبران، ثم نمت مجموعة كتبه وتنوعت (طه حسين وعباس العقاد وميخائيل نعيمة ونجيب محفوظ ويوسف السباعي واحسان عبد القدوس وغيرهم).
ويذكر “أسامة اختيار” في الموسوعة العربية أن “سعد الله ونوس حصل على الثانوية العامة عام 1959 وسافر إلى القاهرة، في منحة دراسية للحصول على ليسانس الصحافة، وأثناء دراسته وقع الانفصال بين مصر وسوريا، وكانت هذه الواقعة بمثابة هزة شخصية كبيرة، أدت إلى أن كتب أولى مسرحياته، والتي لم تنشر حتى الآن، وكانت مسرحية طويلة بعنوان (الحياة أبداً) عام 1961 .
ترأس ونُّوس تحرير مجلة «الحياة المسرحيَّة» السوريَّة، وعمل في المسرح القومي في سورية، ودرَّسَ في المعهد العالي للفنون المسرحيَّة بدمشق، وكتب في عدد من الصُّحف والمجلاَّت السوريَّة، وأبرزها مجلَّة «المعرفة»، وكان مسؤولاً عن النَّقد فيها، وكتب في مجلة «الآداب» مقالاتٍ مهمَّةً في المسرح وقضاياه.
ربط ونُّوس المسرحَ بالحياة، وكان يحرص على ربط القول بالفعل، وأسهم في تنشيط الحركة المسرحيَّة في سوريا، وأثار في مقالاته كثيراً من هموم المسرح العربيِّ ومشكلاته والعقبات التي تقف في وجه تناميه.
بدأ ونُّوس كتابة المسرح في السِّتينات، كان نصُّه المسرحي الأوَّل «ميدوزا تحِّدق في الحياة» (1963م) تجسيداً حيًّا للصِّراع بين العقل والعاطفة، ثمَّ كانت مسرحيته «جثة على الرَّصيف» (1963م) وفيها أثرٌ من الوجوديَّة العبثيَّة.
أمَّا في مسرحيته «فصد الدَّم» (1963م) فلامس واقعَ الهمِّ العربيِّ الفلسطينيِّ، ثم كتب بعد ذلك «الجراد» (1964م) والموازنةُ بين هذه المسرحية وسابقتها تتمخض عن صراعٍ حادٍّ في وجدان ونُّوس بين تشاؤمٍ حادٍّ يمليه عقله، وتفاؤل تقضي به الكتابة المسرحيَّة.
ثم كتب بعد ذلك مسرحيته «مأساة بائع الدِّبس الفقير» (1964م) وفيها تنديد بالخوف الإنساني، وكأنَّه سعى من خلالها إلى إيقاظ الرُّوح الخاملة في وجدان الإنسان.
ثم توالت مسرحيَّات أخرى كثيرة؛ ومنها: «المقهى الزُّجاجي» (1965م)، «لعبة الدَّبابيس» (1965م)، «الرسول المجهول في مأتم أنتيغون» (1965)، «عندما يلعب الرِّجال» (1966م)، استمد ونُّوس مادة مسرحه في هذه المسرحيَّات من الواقع الاجتماعيِّ والواقع السِّياسيِّ.
وتُعدُّ مسرحيته المشهورة «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» علامةً فارقةً في نتاجه المسرحيِّ، كتبها سنة 1967م متأثِّراً بواقع النَّكسة، وكان همُّه فيها الوقوف على أبعاد الحدث الجلل.
وقال في هذه المسرحية الرِّوائيُّ عبد الرَّحمن منيف: «حين شهدْتُ «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» في عروضها الأولى وعلى الرُّغم من قتامة تلك المرحلة شعرت بالفرح، وذلك لأنَّ هذه المسرحية كانت مبشِّرةً بنتاجٍ مسرحيٍّ ذي طابع جديدٍ في أسـلوب الأداء المسـرحيِّ لدى ونُّوس».
وتوالت لونوس جملة من المسرحيَّات كان التَّاريخ والواقع ماثلين فيها، وهذه المسرحيَّات جسَّدت مرحلة الكتابة المسرحيَّة المبتكرة في إبداع سعد الله ونُّوس، فمن مسرحياته فيها: «الفيل يا ملك الزَّمان» (1969م)، «مغامرة رأس المملوك جابر» (1970)، «سهرة مع أبي خليل القبَّاني» (1972م).
وشهد عقد التسعينات مرحلةَ نضوجِ الاستلهام التَّاريخي في مسرح ونُّوس ونضوج أدواته الفنيَّة في ذلك، ولاسـيَّما في مسرحيته «منمنمات تاريخيَّة» (1994م)، ومسرحيته «طقوس الإشارات والتحولات» (1993ـ 4991م)، و«ملحمة السراب» (1995م).
اختير ونُّوس سنة 1996م لكتابة كلمة يوم المسرح العالمي وألقاها في المعهد الدُّوليِّ للمسرح التَّابع لليونسكو، وأبرز ما فيها قولُه: «إنَّنا محكومون بالأمل، وما يحدث لا يمكن أن يكون نهاية التَّاريخ»، و تُرجِمَتْ كلمته إلى لغاتٍ عديدة.
لم يقتصر نشاط ونُّوس المسرحيّ على سوريا، حيث ُعرِضَتْ مسرحيَّاته منذ عام 1970م في كثيرٍ من البلدان العربيَّة، وكُرِّم لنتاجه المسرحيِّ مرَّاتٍ في عدد من الدُّول العربيَّة ، كما ترجمت بعض أعماله إلى عدة لغات.
توفي سعد الله ونُّوس في الخامس عشر من شهر أيَّار عام 1997، بعد صراعٍ مريرٍ مع مرض السَّرطان، نُشرت أعمالُه المسرحيَّة مجموعةً بعنوان «سعد الله ونُّوس الأعمال الكاملة» في دار الآداب في بيروت 1996م وصدرت في ثلاثة أجزاءٍ.
ولاتزال كلمته الخالدة “إننا محكومون بالأمل”، راسخة في وجدان السوريين مُرددة على ألسنتهم في كل مناسبة، توحي بعبقرية التعبير عن شعور يلازم الانسان وهو يواجه الظروف الصعبة، رافعة راية كاتب مسرحي سوري لا تُنكّس.
رنا سليمان- تلفزيون الخبر