رياضة

عن عودة إشبيلية وكأس العراق وعارضة السومة وآدم تشرين .. أعد التفكير في كرة القدم

من يعتقد أن كرة القدم هي فقط اثنان وعشرون لاعباً يركضون وراء قطعة جلد مدورة، بالطبع فاتته لحظات كانت قطعة الجلد المدورة هذه تحمل في جنباتها أكثر المشاعر الإنسانية نُبلاً وصدقاً، وأكثرها قرباً للمثالية.

الشوط الأول من مباراة ليفربول وإشبيلية، على أرض الفريق الأندلسي، ينتهي بثلاثية للضيوف، وأداء مخيب لأبناء المدرب الأرجنتيني إدواردو بيريزو، ولكن كل شيء تغير في الشوط الثاني من المباراة، أداء رائع من لاعبي إشبيلية، توجوه بهدفين قبل أن تصل المباراة لدقائقها الأخيرة، ووقتها البدل ضائع.

ما الذي حدث للاعبي الفريق الأندلسي بين الشوطين ؟ ما الذي جعل أبناء إسبانيا ينتفضون ؟ وها هي الدقيقة الثالثة بعد التسعين تعلن هدف التعادل، والفرحة الجنونية لجمهور إشبيلية، الذي انتظر صحف اليوم التالي لتخبره عن سبب انتفاضة لاعبي فريقه.

كشفت الصحف الإسبانية الصادرة يوم الأربعاء عن الكلام الذي وجهه المدرب الأرجنتيني إدواردو بيريزو للاعبيه بين شوطي المباراة، ومن بين ما قاله، قال لهم “أنا مصاب بالسرطان”، كلمات كافية لتجعل 11 شخصاً يلعبون 45+4 دقيقة لا لأجل الفوز، بل لأجل هدف أسمى، لأجل قائدهم الذي أحزنته التحاليل الطبية بكشفها إصابته بسرطان البروستات، وحاول لاعبوه رسم ابتسامة ورد دين له عبر أداء ونتيجة ترضيه.

ومن لم يسمع بقصة آدم تشرين ؟ الطفل السوري الذي لم يبلغ أعوامه العشر، ولكن بلغه المرض الذي نال منه وأفقده، بسبب العلاج شعره، وكيف وقف على أرضية ملعب تشرين باللاذقية، يُحَيّي جمهوراً آتى ليثبت أن كرة القدم تصنع الأمل والفرحة، وحيّا الجمهور ابن النادي باسمه وهتف له، ورسم على مُحياه ابتسامة كانت، بحسب الجمهور، هي اللقب الأهم للنادي.

وفي إحدى مباريات الدوري الهولندي السنة الفائتة، قام نادي فينورد روتردام بدعوة عدد من الأطفال المصابين بالسرطان من مشفى “صوفيا” ليحضروا مباراتهم في الدوري ضد نادي أدو دين هاخ، الذي قام جمهوره بلفتة ستبقى خالدة في أذهان محبي الكرة، حيث قاموا بشراء دمى قطنية ورموها على المدرج الذي يتواجد فيه الأطفال.

ياراي الفاريز، لاعب كرة القدم في نادي اتلتيك بلباو الاسباني، في إقليم الباسك، هزم مرض سرطان الخصية مرتين، تفاجأ بعد عودته لأول تدريب له في غرفة الملابس بقيام زملائه بحلق شعر رأسهم تضامناً مع زميلهم ذو الأعوام الـ 22.

وفي 2007 في عزِّ الغزو الأمريكي التي نهشت عراق المجد، انتفض أبناء الرافدين، وتحملوا مسؤولية جلب فرحة لأبناء جلدتهم، الذين نسوا بعد سنين مريرة معنى الفرح، وحقق رفاق “السفاح” يونس محمود والمجتهد كرار جاسم ونشأت أكرم وهوار ملا محمد لقب كأس آسيا، الذي عاد بأبناء العراق إلى زمن كانت الحرب تريد محوه.

وقبل أيام قليلة نجح فريق شابيكوينسي البرازيلي في تفادي الهبوط لمصاف أندية الدرجة الثانية في بلاده، شابيكوينسي نفسه هو من فقد قبل سنة تماماً أكثر من ثلاثة أرباع فريقه بتحطم طائرته فوق كولومبيا، ورفض الفريق حينها قراراً يعطيه حصانة ضد الهبوط وأكمل الدوري بجهود لاعبيه الشباب، ألا تمثل هذه الحادثة معان أكثر من مجرد قطعة جلد مدورة ؟.

ألم يبك أبناء سوريا على عارضة السومة عمر في الدقيقة 120 في مباراة استراليا كانت كفيلة باقترابهم خطوة من رفع العلم السوري بجانب علم 31 دولة أخرى في روسيا ؟ ما هو الشيء الذي وجده السوريون، الذين يعانون حرباً منذ أكثر من سبع سنوات، في كرة القدم ليعلقوا آمالاً كبيرة على ضربة حرة تداول جلّهم صورة مسددها يقول “يارب ما تضرب في الحيطة”؟.

من يتابع كرة القدم يتذكر لحظات مشهودة في تاريخ اللعبة، ألم يوقف ديديه دروغبا الحرب الأهلية في بلاده، ساحل العاج، يوما ما؟، ألم يسبقه إلى ذلك بيليه الذي ساهم بوقف حرب في نيجيريا ؟، هل شاهدت اللاعب البيروفي فارفان وهو يبكي حاملاً قميص زميله غيريرو المتهم بتعاطي المنشطات ظلماً بعد تسجيله لهدف ساهم بتأهل بلاده؟ هل شاهدت فرحة أبناء بنما بتأهلهم لكأس العالم لأول مرة، ما دفع حكومتهم لإعلان ذاك اليوم عطلة رسمية ؟.

من يعتقد أن كرة القدم هي فقط اثنان وعشرون لاعباً يركضون وراء قطعة جلد مدورة، عليه أن يعيد التفكير كثيراً في فكرته هذه، الأخلاق في كرة القدم ليست مجرد نادي يخرج الكرة لخارج الملعب بسبب إصابة لاعب، أو محاولة التخفيف عن لاعبي الفريق المهزوم بالنتيجة من لاعبي الفريق الفائز، كرة القدم ليست مجرد لعبة، وبالتأكيد ليست قطعة جلد مدورة تذهب عقل مشاهديها، سلاح جبار، لجلب الفرح والأمل وإظهار الإرادة والمحبة، بيد الشعوب، هي كرة القدم.

علاء خطيب – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى