من هي “إسرائيل” التي نقاتل؟..
دارت خلال الشهور الـ 14 الماضية آلاف المناقشات الشعبية والرسمية حول عملية “طوفان الأقصى”، وما تبعها من حرب “إسرائيلية” شعواء طالت غزة ولبنان، ووصلت شظاياها لسوريا وإيران واليمن والعراق.
وتركزت المناقشات حول فاعلية وفائدة العملية، وعن معايير النصر والهزيمة فيما يخص حركات المقاومة بمواجهة الاحتلال، خصوصاً بعد الهيجان الإجرامي “الإسرائيلي” غير المسبوق في التاريخ ضد المدنيين في لبنان وفلسطين، إضافة لاغتيال قادة كبار في حماس وحزب الله.
بداية الكلام
نقلت القناة “12” العبرية، السبت، أنه “في الأول من تشرين الأول 2023 عرض جهاز “الشاباك” مخططات لاغتيال قيادات في حركة حماس، وعلى رأسهم يحيى السنوار ومحمد ضيف ودعم جيش الاحتلال تنفيذ المخطط”.
يأتي هذا التعليق من القناة “الإسرائيلية” ليؤكد نوايا الاحتلال بإطلاق عملية ضد قيادات حماس قبل أسبوع من “طوفان الأقصى”، كما سبق تلك الفترة عملية تضييق كبيرة من الاحتلال ضد الأسرى الفلسطينيين في سجونه.
وتبع ذلك محاولات جدية وعلنية من قبل المتطرفين الصهاينة تحت نظر حكومة الاحتلال لتهويد المسجد الأقصى، وإقامة طقوس تلمودية داخله تجهيزاً لعملية هدمه بالتزامن مع عملية ضغط أمريكية تجاه الدول التي ترسل مساعدات لغزة بهدف إيقاف الدعم.
كل ذلك يؤدي “بشكل بديهي” لتبرير عملية المقاومة البطولية، خصوصاً مع خذلان معظم دول العالم للقضية الفلسطينية سيما الدول العربية السائرة في عمليات تصفية القضية من خلال اتفاقيات التطبيع، عدا عن أحقية الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه بالوقت والزمان والأسلوب الذي يراه مناسباً.
من نقاتل؟
سؤال يجب التوقف عنده مطولاً رغم قِدم الصراع مع الاحتلال الممتد لحوالي 80 عاماً، لكن هذه السنوات لم تُفهم البعض عقلية الكيان وأسلوبه ما أصاب الكثير منا بحالة ذُعر ودهشة من إجرام الكيان.
بدايةً، وفي مراجعة للعقل “الإسرائيلي” المستند في تشكيله على تعاليم التلمود والتوراة نرى أنه قائم على إلغاء وقتل وتصفية الآخر.
ففي “سفر التثنية” مثلاً يخاطب التوراة جنود “إسرائيل” بأن “احرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنار” و “اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة، وأحرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار”.
وورد في نص آخر من “سفر التثنية” أن “أهلكوا كل ما في المدينة من رجلٍ وامرأةٍ وطفلٍ وشيخٍ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف، وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها، أحرقوا أماكنهم المقدسة”.
هذا ما قامت به عصابات “الهاغانا” و”شتيرن” وغيرها عند إعلان الكيان المزعوم، حيث ارتكبت المجازر في الأماكن التي دخلت إليها بفلسطين ولبنان، واستمرت في ذلك لاحقاً وصولاً للتاريخ الحالي حيث لم يوفر الاحتلال المدني قبل العسكري.
ويظهر ذلك اليوم عبر خطابات “نتنياهو” و“بن غفير” و“سموتريتش” الذي تحدث في مقابلة عام 2016 قائلاً “أريد دولة يهودية تُدار وفق المعتقدات اليهودية، وكما يقول حكماؤنا قدر القدس أن تمتد إلى دمشق، ودولتنا يجب أن تضم فلسطين وأراضٍ من الأردن وسوريا ولبنان والعراق ومصر والسعودية”.
وجهز الكيان نفسه عبر مرور السنين بمنظومة حرب نفسية ووحدات حرب إلكترونية وسايبرانية تهدف للتغلغل بالعقل العربي وتدميره، وتنفيذ عمليات ضد “القوى المعادية له” على صعيد الأمن والاقتصاد والمعلومات.
كما يستند الكيان في إجرامه على دعم دولي منقطع النظير من أغلب دول العالم عبر فتح مخازن السلاح له دون سؤال، وتزويده بكل أنواع الأسلحة من خلال جسور جوية وبحرية كُبرى.
إضافة لتمويل أعظم الشركات والبنوك والتحالفات الاقتصادية في العالم لترميم أي خسائر اقتصادية له، عدا عن تزويده بكل التكنولوجيات الآمنة والسوداء على مستوى العالم.
وخلق الكيان بالتعاون مع الدول الغربية وبعض الدول العربية شبكات تجسس أمنية مزودة بأعلى التقنيات تغلغلت في معظم “الدول المعادية له”.
وتنشط حالياً ضمن الكيان حركة “أيقظوا الشمال” التي تهدف لإعادة الجليل الشمالي (جنوب لبنان) للحضن “الإسرائيلي” وفق وعد التلمود، لذلك في كل مرة يحاول الكيان احتلال لبنان يقوم بإدخال مع قواته مؤرخين وعلماء آثار، كما حدث قبل أيام عند مقتل الجيولوجي “إيزاك رايخ” على يد حزب الله في الجنوب.
ويرى العقل “الإسرائيلي” شعوبنا هي المعتدية على أرض “إسرائيل” الموعودة وفق تلمودهم وعليه يسمون جيشهم “جيش الدفاع”.
وضمن حكومة “غولدا مائير” في الستينات ظهرت مخططات استيطانية لغزة ولبنان وسوريا والأردن، وحينها لم يكن هناك حماس أو حزب الله أو سوريا بقيادة الرئيس الأسد أو الثورة الإيرانية.
كل ما سبق يضعنا أمام عدو لا ينتظر فرصة لتحقيق أهدافه فهو يرى نفسه يملك الحق بأرضنا سواء كان هناك مقاومة أو استسلام مفاوضات أو اشتباكات هدوء أم حرب ما يُعطي الشرعية لأي حركة مقاومة أو دولة داعمة لها بالوقوف ضد الكيان.
هل نحن مهزومون؟
يجب بدايةً فهم آلية عمل حركات المقاومة والتي تقوم على الدفاع لا الهجوم ما يعني أن انتصارها قائم على رد العدوان وتحرير الأرض لا على الهجوم المباشر كالذي تقوم به الجيوش النظامية.
وفي حالة الدفاع ضد جيش الاحتلال كما يجري حالياً في لبنان وغزة كان ارتقاء أعداد هائلة من الشهداء أمراً بديهياً مع دمار عمراني غير مسبوق، خصوصاً وأن الكيان يستخدم أسلحة حارقة خارقة ومحرمة دولياً مع صمت أممي مطبق لتعويض فشله في تحقيق أهدافه التي أعلن عنها.
وهنا مكمن عمل المقاومة في إفشال أهداف العدو، فرغم كل الدمار والشهداء لم يستطع الاحتلال إعادة الأسرى من غزة أو تهجير الفلطسينيين خارج قراهم وتصفية القضية الفلسطينية أو إعادة المستوطنيين للشمال أو القضاء على حماس وحزب الله أو ثني سوريا وإيران عن دعم حركات المقاومة.
ويظهر ذلك بقوة في لبنان مثالاً فمع حشد الاحتلال لأكثر من 60 ألف عسكري أغلبهم من قوات النخبة وعدد غير نهائي من الأسلحة النوعية والدبابات والمدرعات مع إطباق جوي تام بالمسيرات والطائرات لم يفلح بتحقيق أي من أهدافه على مدار شهرين من العدوان.
ويجب هنا التفريق بين النصر والغلبة بين صد العدوان والتحرير المُطلق فالمقاومة عندما تصد العدوان دون أن تنكسر أو تستسلم وتتمسك بكل شروطها بالمفاوضات رغم كل ما لحق بها مع بيئتها من أذى تكون منتصرة بحكم المنطق فمن يُفشل أهداف عدوه يكون انتصر عليه ولو كلفه هذا الانتصار الغالي والنفيس.
أما الغلبة الكُبرى وتحقيق التحرير المُطلق فهذا له ظروف مختلفة أهمها التكاتف والثبات خلال المعركة الحالية التي ستكون ركيزة أساسية للتحرير.
فمع فشل أهداف الاحتلال وخلق مشكلات سياسية واقتصادية ومجتمعية داخل الكيان وتضاعف عدد الجنود الهاربين أو المنكفئين عن الخدمة وازدياد المشاكل بين الجهات الدينية والعسكرية والسياسية، وهذا كله واضح وجلي حالياً كل ذلك سيؤدي لتفكك “إسرائيل” من الداخل وبعدها سيتحول النصر في المعركة إلى نصر في الحرب .
جعفر مشهدية-تلفزيون الخبر