في عيد الشاي.. غزل رديء بحق الرفيق الفريد!
يقال إن الشاي اكتشف عن طريق الخطأ، أو المصادفة كما حكاية نيوتن مع الجاذبية، فقبل ثلاثة آلاف سنة سابقة للميلاد سقطت ورقة من شجر الشاي في ماء مغلي مخصص للإمبراطور الصيني شين يونغ، الذي وقع في عشق هذه النبتة، وتحول من بعده إلى مشروب شعبي.
من حق الشاي ألا يكتفي برواية واحدة، فمشروب كهذا لا ينبغي أن يرتبط بسلطان أو امبراطور.. وإن خيرت لأحيك أسطورة حوله، لكنت جعلت منه مشروباً لبطل مقاوم، أخذ يشرب منه كأساً تلو الآخر وهو يخطط لاستعادة أرضه، أو مجابهة محتله، أو احقاق حق ما، أو الانتصار لمحبوبته.
ولكنت اصريت على أن يكون هذا الرجل هو جدي الأكبر وورثت عنه طريقته الخاصة في إعداد الشاي، شايه الأسود المختمر والمغلي بعناية مع كمية متوازنة من السكر.
أو وصفة محبوبته التي انتصر لها جد الشاي، والتي قررت تحضيره مع النعناع أو الميرمية، ونسجت حوله “خرافة” لا تزال حية، حول قدرته الفريدة على علاج آلام المفاصل والمعدة.. بل حتى الاكتئاب.
لربما عدم وجود هذه الأساطير حول الشاي جعلته مشروباً أكثر بساطة إذا ما قورن بالقهوة.. فلا رائحة فواحة له، ولا وجهاً يتفاخر به بطرائق مميزة في صنعه، ولم يرتبط بالثقافة والمثقفين.. ولم يكن يوماً نجماً لفيديوهات “السوشال ميديا”.
حتى أن كؤوسه بسيطة، غالباً ما تصنع من الزجاج الرقيق الشفاف، وإن كان مشروباً صباحياً، فليست قضيته أنه حاجة لا يمكن الاستغناء عنها لتعديل المزاج، بل تراه مصاحب للقمة بسيطة من الجبن والزعتر وبعض الحواضر الأخرى.
والشاي رفيق خفيف وسلس، يدفئ صديقه في ليالي البرد، ويبرد على روحه من قيظ الصيف، يسرح مع خيال شاربه فيزداد اسوداداً وثقلاً كلما تعمق رفيقه في خياله.
والشاي مشروب غارق في الأصالة، فعلى الرغم من ظهور أشكاله الجديدة، من تعليبه في أكياس للشرب الفردي، وابتداع ألوان وألوان منه، وطحنه حبوباً دائرية ناعمة، لا يزال بمفهومه الأول يتربع شامخاً وهو على دراية باستمراريته هكذا بأوراقه السوداء اليابسة موجوداً مهما حاولوا العبث به.
آلاف السنين مرت على حقول الشاي، ومن المؤكد أن أشخاصاً كثر قضوا لأجله، ولربما “استشهدوا” في سبيله، فنبتة كهذه لا بد أن دماءً كثيرة هدرت في قطافها، وحروباً قامت كرامة لها.
وحين أفكر بأخطر لحظة مرت على الشاي في زماننا هذا، فهي بلا منازع حين قررت الحكومة تقنينه عبر البطاقة “الذكية” وتخصيص حصة ضئيلة منه وغير متوفرة على الدوام.. هنا تهدد الشاي بخطر الزوال، فكيف لمشروب مر بكل ما سبق أن يحدد بغرامات قليلة لا تكفي “كفاف يومنا”.
يا أيها الشيخ العتيق.. تأخر الغزل بك قروناً طويلة.. لكنك بكل هذه الفرادة والبساطة والوفاء.. تستحق من عشاقك الحب والحب والحب.
لين السعدي – تلفزيون الخبر