أمتارٌ فصلت بين الحياة والموت خلال الحرب..دوار فدعوس بحمص في ذاكرة أم شوقي
بارتياحٍ فقدته لسنواتٍ طوال، تقفُ “أم شوقي” بثباتٍ وطمأنينة على دوار فدعوس في حي جب الجندلي بمدينة حمص، على مفارقِ عدة شوارعَ رئيسية تصل بين أحياءٍ قُطّعت أوصالها سابقاً.
على بعد أمتار مكانية وسنوات زمانية، تستذكر “أم شوقي” ما عايشته كما العشرات من عائلات الحي من الخوف والموت والتهجير خلال سنوات الحرب التي أتت على القسم الأعظم من المدينة.
“مين كان يسترجي يقرب”، تقول أم شوقي لتلفزيون الخبر، فكان الوقوف هنا خلال سنوات الحرب أشبه بالإنتحار وطلبُ الموت برصاصةِ قناص لا يعرف الرحمة أو التمييز بين جنسك وعمرك وسبب وجودك.
واقفةً على رُخامِ الدوار المسمى نسبة لإحدى العائلات، تنظر “أم شوقي” إلى برجيّة ضخمة تتربع على يمين الدوار، مستحضرةً ما خزنته من مشاهد وأصوات يعرفها كل ما عاش في هذا الحي، عندما هرب الجميع بثيابه فقط، كما قالت.
وتكمل “أم شوقي” لتلفزيون الخبر “بقينا في منازلنا طوال سنوات الحرب الأولى، حتى وصل المسلحون إلى أطراف الحي، فكان الدوار نقطة اشتباك وخط الفصل الأخير بين شوارع تنبض بالحياة وأخرى هجرها سكانها”.
“المهم نفدنا بريشنا”، تابعت المرأة الخمسينية لتلفزيون الخبر “كان مؤلماً لنا ولكل من عاش هتا مغادرة منزله مجبرا ً خائفاً على عائلته وأولاده قبل أي شيء آخر، فلم نأخذ أي شيء، أو أننا لم نلحق إن صح القول، وكان همنا عدم الموت في المكان الذي عشنا فيه حياتنا”.
وعن الخسائر التي لحقت بهم، أضافت أم شوقي “كانت الخسائر المادية كبيرة جداً للكثيرين، فالقذائف والرصاصات طالت كل شيء كما سُرقت ممتلكاتنا واحترقت سيارات ومنازل أخرى، إلا أننا كنا من المحظوظين الذين لم يدمر منزلهم”.
“عجقة وسوق وناس فوق بعضها”، تصِف أم شوقي حال المنطقة ماقبل الحرب، عندما جاءت في فترة شبابها وتزوجت لتعيش في حي جب الجندلي، عندما كانت الشوارع لا تفرغ من المارة، والمحال تغص بالزبائن، والحركة التجارية لا تتوقف حتى ساعات الصباح”.
“عدد قليل رجع وقسم كبير سافر” تقول أم شوقي لتلفزيون الخبر، فمعظم من هجر منزله لم يعد راغباً بالعودة وقرر العيش في مناطق أخرى، ومنهم من بات خارج البلاد، والقسم الأخير عاد ليصلح ما تم تخريبه قدر استطاعته ويعاود العيش في الحي الذي أحب”.
عمار ابراهيم – تلفزيون الخبر – حمص