كيف تعامل السوريون مع قضيّة الشابة “حلا مغامز” وما موقف القانون السوري من التحرّش؟
أثارت قصّة الشابة السورية “حلا مغامز ” جدلاً واسعاً وانقساماً واضحاً في آراء بعض السوريين ما بين مؤيدٍ مشجعٍ لـ “حلا” وما بين مهاجمٍ لها، متعاطف مع أستاذ الرياضيات الذي قالت “حلا” إنه تحرّش بها منذ عدّة سنوات، عندما كانت طالبة عنده، في حلب.
الفيديو الذي ظهرت فيه الشابة “مغامز” المقيمة في كندا، أحدث صدمة في أوساط المجتمع الحلبي خصوصاً، لا سيما وأن “مغامز” روَت خلال الفيديو بعض التفاصيل مما قالت إنها: “تعرضت لها، عندما كانت في حلب، من قِبل أستاذ مادة الرياضيات، المعروف على مستوى المدينة”. مؤكدة أن: “بحوزتها ثبوتيات تؤكد الأمر”.
ولجأت “مغامز” إلى فيسبوك لطرح قصّتها، بعد فشل محاولاتها للحصول على إجابات مرضية أو تحرّكٍ من الجهات التي اشتكت إليها، على حدّ قولها.
وسرعان ما انتشرت قصّة “حلا”، ما شجّع فتيات أخريات على الإعلان عن تعرّضهنّ للتحرش أيضاً، من الشخص ذاته. الأمر الذي جعل البعض يعتقد أن القصة موجّهة بقصد الإساءة، فيما اتّهم آخرون الشابة، بأنها “مدرَّبة”.
وشجعت “مغامز” أشخاصاً على التحدث عن قصص مشابهة، تعرضوا لها مع متحرشين آخرين، إلا أن كثير من الناجيات أو الناجين من العنف المبني على النوع الاجتماعي، لا يسعَون للحصول على المساعدة والإبلاغ عما يتعرضون له، وذلك لأسباب عدّة تتعلق بكيفية استجابة المجتمع وتفاعله مع هذا النوع من القضايا.
ويتعلق الأمر باختلاف الثقافات المجتمعية ونسبة الوعي حول قضايا العنف المبني على النوع الاجتماعي وآليات الحماية المتبعة، بحسب ما أوضحته المستشار الفني للعنف المبني على النوع الاجتماعي”فيرجين لحدو”، في حديثها لتلفزيون الخبر.
وتبيّن “لحدو” أن: “وصمة العار التي يمكن أن تلحق بالناجي وبعائلته، إضافة إلى الخوف، وتهديد المعتدي، أو الولاء للمعتدي، والشعور بالذنب. وإلقاء اللوم على الناجين أو الخوف من لوم الآخرين لهم، أو الاعتقاد بأن ما حدث أمر طبيعي، وعدم وجود دليل على وقوع الحادث.
إلى جانب خوف الناجين من عدم تصديقهم أو حصولهم على استجابة سلبية من الأسرة والمجتمع في حال الإبلاغ، إضافة إلى شعورهم بالخجل أو الإحراج، كلها أسباب تدفع الأفراد الذين تعرضوا للتحرش للابتعاد عن الإبلاغ”.
وتوضّح “لحدو” في حديثها لتلفزيون الخبر أن: “العنف المبني على النوع الاجتماعي يشمل العنف الجنسي والجسدي والنفسي”، إلى أن “للعنف الجنسي أشكال عدّة بما فيها التحرّش الجنسي واللمس القسري أو غير المرغوب به”.
وتوضّح “لحدو” أن: “التحرّش الجنسي هو صيغة من الكلمات غير المرحّب بها أو الأفعال ذات الطابع الجنسي والتي تنتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص ما، وتجعله يشعر بعدم الارتياح أو التهديد أو عدم الأمان أو الخوف أو عدم الاحترام أو الإهانة أو الإساءة”.
وتقول “لحدو”: “إن العنف الجنسي والذي يشمل التحرش أيضاً، يحدث بسبب حاجة المعتدي للسيطرة والهيمنة على الآخرين، ويمكن أن يكون المعتدي شخصاً تعرفه مثل قريب أو صديق مقرب للعائلة أو شخص موثوق به في المجتمع”.
وتضيف: “يمكن أن يكون شخصاً غريباً تماماً، لكن في معظم الأحيان يكون المعتدي شخص تعرفه وتثق به. ويستغل المعتدي معرفة الشخص ووثوقه به من أجل جعله أقرب له وإبقائه صامتاً”.
موضّحة أن: “التحرش يمكن أن يأخذ أشكالاً عدّة منها، النظر بشكل غير لائق إلى جسم الشخص والتعبيرات الوجهية، وإلقاء النكت أو الحكايات الجنسية، والاهتمام أو التدخّل غير المرغوب به، إضافة إلى المكالمات الهاتفية التي تحمل اقتراحات جنسية، واللمس أو التحسس أو الاقتراب بشكل كبير من الشخص”.
وأشارت “لحدو” أن الأفراد الأكثر عرضة للتحرّش هم الأطفال الصغار والنساء والفتيات وكبار السن وذوي الإعاقة والأرامل والمطلقات، بينما تعد أماكن العمل والمدارس والجامعات والحدائق العامة ووسائل النقل المزدحمة، إضافة إلى الأماكن المهجورة والمظلمة والمغلقة، من الأماكن التي يمكن أن يحدث فيها التحرّش.
وبالعودة للقضية التي أثارتها الشابة “حلا مغامز”، فإن القصّة فتحت أبواباً أمام تساؤلات عدّة حول موقف القانون السوري من التحرّش.
وفي هذا السياق، بيّن المحامي “رامي جلبوط” في حديثه لتلفزيون الخبر أن: “التحرّش بمفهومه العام هو سلوك مجرم قانوناً، بكافة أنواعه وأشكاله، لكنه ليس مصطلحاً قانونياً سورياً حتى الآن، بل إنه مصطلح اجتماعي يصف عدداً من السلوكيات”.
وأشار “جلبوط” إلى أن: “قانون العقوبات السوري الصادر عام 1949 أفرد نصوصاً خاصة، تعاقب على الأفعال التي تشكّل اعتداءً جنسياً على الأشخاص، ومنها ما يشكل جرائم خطيرة يكتمل فيها الفعل الجنسي، أو الشروع فيه، ومنها ما لم يتجاوز التحرّش اللفظي، أو كما يطلق عليه بالعامية “التلطيش”، الذي يعد جريمة تعاقب عليه المادة 506 من قانون العقوبات السوري”.
وبيّن “جلبوط” في حديثه لتلفزيون الخبر أن: “مداعبة القاصر أو حتى البالغ، ولمس الأعضاء، وكل فعل جنسي لم يتم فيه الإيلاج من الطريق الطبيعي وغير ذلك، كلها أفعال وصفها القانون السوري بأنها أفعال منافية للحشمة”.
وأضاف “جلبوط” أنها: “تعدّ أفعال جرمية، وتشكّل جنحة إذا وقعت على شخص بالغ، وجناية إذا وقعت على قاصر”، موضّحاً أن “العقوبة تكون مشدّدة أكثر إذا كان القاصر دون الخامسة عشر، وتشدّد أكثر إذا لم يبلغ سن السادسة”.
وكانت مطرانية الروم الكاثوليك في حلب، والتي تتبع إليها إدارياً، المدرسة التي يعمل بها “أستاذ الرياضيات”، أعلنت عبر صفحتها الرسمية، عن تشكيل لجنة مشتركة ما بين المطرانية ومديرية التربية بحلب، للتحقيق في القضية التي أثارتها “مغامز”، فيما بيّنت المطرانية أنها اوقفت المدرس عن العمل “احترازياً” ريثما تظهر نتائج التحقيقات.
وفي الوقت الذي يبدو فيه المشهد غامضاً، حول التطورات المتوقعة بخصوص قضية الشابة “مغامز”، إلا أن المتتبّعين للقصة مازالوا يترقّبون نتائج التحقيقات حول القضية التي تحولت إلى قضية رأي عام خلال أيام.
نغم قدسية – تلفزيون الخبر