ورث المهنة عن أجداده منذ قرن مضى..أبو عمار “سيد مين جلخ سكين” بحمص
مستخدماً كرسيّاً متوسط الإرتفاع، يصلّي أبو عمار صلاة الظهر بعد أن انطلق الآذان ووصل بشكل شبه مسموعٍ آخر السوق المسقوف بحمص، إلا أن بصيرةَ قلبه لربما جعلته يدرك وقت الصلاة دون أن يسمع الآذان.
بسبابةٍ ترجف من البرد ربما أو من سنوات طوال عاشها، يتشهّد أبو عمار مع كفّ على ركبته وخشوع تام لم تؤثر عليه أصوات السيارات المارة وضجيج أولادٍ يجمعون الحديد.
“الحمدلله على كل حال، يارب يا كريم”، يُبسمِل أبو عمار ويحمد ربه آخر الصلاة، ويوضب السجادة بعد انتهائه، ويجهز عدداً من السكاكين المطلوب منه إصلاحها وشحذها واضعاً إياها بجانب آلة الجلخ.
ترمي السلام فيرد بأحسن منها، “وعليك السلام يا ابني تفضل كيف فيني أخدمك”، بلهجةٍ حمصيةٍ خالصة كالتي تسمعونها على التلفاز، يعرِض أبو عمار ما تستطيع يداه أن تقوم به خلال نص ساعة من الكهرباء، بات يزعجه طول انقطاعها.
يبدأ الرجل الثمانيني حديثه لتلفزيون الخبر بالشكوى من واقع الكهرباء، مشيراً أنها العائق الاول بوجه مهنته التي باتت تعتمد كلياً عليها، مضيفاً أن الحركة ضعيفة للغاية بل شبه معدومة، نتيجة ارتفاع الأسعار”.
يمشي عدداً من الخطوات ليدل على عدد المحال التجارية التي هجرها أصحابها، من معصرة قديمة ومحل لبيع الثياب وغيرها ممن باتت خالية إلا من حجارتها السوداء المعروفة في حمص وهي التي تشتهر بالمدينة “أم الحجار السود”.
“المحل أجار والملك لله”، يتابع أبو عمار ببعض الشكاوى قائلاً أن من أكبر الصعوبات التي أواجهها هو طول انقطاع الكهرباء، حيث أعتمد على الآلة بشكل رئيسي، ولا أملك القدرة المالية لتعبئة المولدة بالبنزين كل يوم مع ارتفاع سعره”.
ويكمل حديثه مع إشارة بيديه لمشكلة ظاهرة للعيان آخر السوق المسقوف، وهي انتشار الركام والقمامة في الطرقات الفرعية، حيث أكد أنه طلب إزالتها عدة مرات من المعنيين دون أي تحرك فاعل حتى اللحظة، واقتصر العمل على جهود فردية للتنظيف.
وحول رفّ مليء بالسكاكين التي تلمع، تدور دردشة قصيرة مع أبو عمار حول منتجاته التي يقوم بها، وقال لتلفزيون الخبر” بالدرجة الأولى أجلخ السكاكين على أنواعها، إضافة للمقصّات وكل ما يستخدم في القص”.
“هوهووو أكتر من مية سنة” يقول أبو عمار مشيراً إلى مدة عمر هذه المهنة التي ما زال يزاولها، وهو الذي ورثها عن والده و جده من قبله، مع قلة العاملين فيها حالياً، حيث امتلكَ خبرة صنع السكاكين الجديدة وحفارات الكوسا والمناجل وغيرها.
أما سعاره فهي رحمانية و”شغلو نضيف”، يقول أحد زبائنه القدامى، مؤكداً أن رأيه ليس من باب الدعاية بل هي شهادة كل الجيران بحق أبو عمار الذي بين أن اسعار الجلخ تتراوح بين 500 إلى 4000 حسب نوع السكين.
وبينما كان يشرح أبو عمار عن بعض الأدوات كاللوجاق والسندان وغيرها من الأدوات الداخلة في عملية تقويم السكاكين وجلخها، اشتعلت لمبة موضوعة بجانب رأسه معلنة عن موعد وصل الكهرباء، وتشعر بلهفته ببدء العمل سريعاً.
يمد يده إلى صدره باحثاً عن نظارته، يبحث هنا وهناك، ليجدها على طاولة بجانبه، “أوعى هيك من الشرار”، ينبه الرجل الثمانيني من الشرار المتطاير مع دوران الآلة المخصصة للجلخ، ليعيد إطفاءها لبرهة ويتحدث عن روعة السهر على الحطب في الموقد الذي يتوسط دكانه.
ويضيع بعضاً من وجه أبو عمار بين الشرر المتطاير، ويعاود الظهور بنظراتٍ حادة تفوق حدة السكين التي حولها بدقيقة من أداة يأكلها الصدأ إلى سكين أخرى “حد الشفرة” كما وصفها، لتؤكد ما قاله زبونه أنه (سيد مين جلخ سكين بحمص).
عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر_ حمص