“اقتصاديات كأس العالم”.. كيف تستفيد الدول من استضافة المونديال؟
تنظيم كأس العالم أشبه بمنافسة حقيقية بين الدول، التي تتهافت على تقديم ملفات لاستضافة البطولة، والتي تُعد أبرز الأحداث الرياضية العالمية، لكن السؤال: كيف تستفيد هذه الدول اقتصادياً على الرغم من إنفاقها الكبير على تنظيم المونديال؟
تفيد تقارير بأن عدد من يشاهدون هذا الحدث العالمي الضخم يقارب المليار شخص، وعلى مدار شهر كامل تتحوّل الملاعب والمدرجات إلى مؤثر فاعل في الاقتصاد العالمي، ومعزز للتجارة بين الدول المضيفة والدول المشاركة، وتظاهرة رياضية ضخمة تقدّم المتعة لمريديها وتضخ المال في القنوات الاقتصادية.
مزايا اقتصادية واجتماعية
كثيرة هي الأسباب التي تجعل الدول تتنافس على استضافة البطولة، السبب الأكثر وضوحاً هو التعزيز الاقتصادي الذي يأتي من استضافة حدث رياضي كبير، عبر إنعاش السياحة والإنفاق على البنية التحتية والنقل والاستثمار الأجنبي، وخلق فرص عمل جديدة، ووجدت دراسة أجراها خبراء اقتصاديون أن استضافة كأس العالم أو الألعاب الأولمبية تزيد السياحة بنحو 8%.
في جانب آخر لا يقل أهمية عن الانتعاش الاقتصادي وعلى المدى الطويل، ترفع استضافة كأس العالم مكانة بعض الدول وتحسّن من سمعتها، الأمر الذي يعزز ظهورها الدولي في جميع أنحاء العالم، ويجعلها أكثر جاذبية للسياح والمستثمرين.
ومع ذلك، تشير الأبحاث إلى أن النمو الاقتصادي الذي تشهده هذه الدول المضيفة غالباً ما يكون أقل من المتوقع، فعلى سبيل المثال، أنفقت جنوب أفريقيا أكثر من 4 مليارات دولار لاستضافة كأس العالم 2010، إضافةً إلى الإنفاق على تحسين البنية التحتية والنقل، من دون أن ينتج عن هذا الإنفاق منافع اقتصادية متوقعة.
بموازاة ذلك، لا تنحصر الفوائد في الدول المضيفة فقط، بل تتعداها إلى دول مجاورة حيث تنشط حركة خطوط الطيران والفنادق وغيرها، في هذا العام مثلاً حققت كل من الأردن وتركيا ودول أخرى فوائد جانبية من تنظيم كأس العالم في قطر عبر تعاقد الدوحة معها لتأمين أفراد الحماية الأمنية للملاعب.
ويقول اقتصاديون إن مثل هذا الحدث العالمي الضخم يسعى إلى تعويض كلف الاستثمارات عن طريق مكاسب تتحقق على المدى البعيد، كتنشيط الاقتصاد الراكد وتحسين وتنويع الاقتصاد وتنفيذ برامج التنمية المستدامة.
الوجه الآخر
قبل أكثر من 10 سنوات، أجرى الخبير الاقتصادي في جامعة “ميرلاند” الأمريكية، دينيس كوتس، دراسة مُعمّقة في هذا الشأن، وأبرز النتائج التي نتجت عن الدراسة أكّدت أن ملفات الاستضافة تبالغ كثيراً في التأثير الإيجابي لكأس العالم على اقتصاد الدولة المُستضيفة.
واستند “كوتس” في نتائجه على أرقام وبيانات لتوضيح هذا التأثير، واستحضر مونديال 1994، الذي توقّعت اللجنة المنظمة للبطولة في الولايات المتحدة أنّ كأس العالم ستُدخل 4 مليارات دولار على الاقتصاد الأمريكي.
لكن ما حدث كان مُخالفاً للتوقّع، بحسب الدراسة، حيث خسرت أمريكا 9.6 مليار دولار من التنظيم، مع الأخذ بالاعتبار أن الربح الذي كان متوقعاً (4 مليارات دولار) هو رقم ضئيل جداً قياساً على الاقتصاد الأمريكي، وقد يُنفق على مشروع هامشي في الولايات المتحدة.
وأكّد “كوتس” في تقريره عن المونديال الأمريكي، أنّ دراسة أجراها الباحثان روبرت بادي وفيكتور ماثيسون عام 2004 توصلت إلى نتيجة أن المدن الأمريكية التي استضافت كأس العالم 1994 شهدت انخفاضاً في المداخيل.
ولم يتوقف “كوتس” عند المونديال الأمريكي، بل حلل تكاليف وعوائد مونديال ألمانيا عام 2006، حيث أعلنت ألمانيا آنذاك أنّ أرباح كأس العالم بلغت 194 مليون دولار، وهو رقم لا يذكر بجانب الناتج القومي الألماني حينها والبالغ 3 تريليونات دولار.
وذكر “كوتس” في دراسته أنّ الباحث الاقتصادي من جامعة هامبورغ الألمانية، وولفغانغ مينغ، درس ملف كأس العالم 2006، وأكّد “مينيغ” أنّ المونديال كان رائعاً على مستوى المباريات والمنافسة والجماهير، أما فيما يخص المزاعم حول إنعاش الاقتصاد الوطني والسياحة، فليس صحيحاً.
ولم يتمكّن “مينيغ” الذي عاونه فلوريان هاغن عام 2007 من العثور على أي تأثير لمونديال عام 1974 الذي أقيم في ألمانيا أيضاً، بشأن زيادة العمالة الألمانية.
وأشارت الأرقام إلى أن المونديال لا ينعش السياحة كما هو شائع، ففي ألمانيا، بلغت الزيادة في إنفاق السياح 60 مليون يورو، مقارنةً بها في العام الذي سبق كأس العالم، في حين يبلغ دخل ألمانيا من السياحة أكثر من مليار ونصف مليار يورو.
أمّا في مونديال كوريا الجنوبية واليابان عام 2002، فلم يزد عدد السياح في سنة كأس العالم عن العام الذي سبقها بشكلٍ كبير، وفقاً للدراسة.
تكلفة البنية التحتية المونديالية
التحضيرات أو التنظيم الذي تقوم به الحكومات للتجهيز لكأس العالم، عادةً ما يكون على المنشآت الرياضية ذات العوائد الاقتصادية المنخفضة أو استصلاح ملاعب ذات تكلفة كبيرة.
وعلى سبيل المثال، تحتاج أمريكا لإنفاق المليارات لتطوير ملاعب كرة القدم فيها، بحيث لا تُعتبر اللعبة الشعبية الأولى في البلاد، وهذه الملاعب التي جرى الإنفاق عليها غالباً لن تستخدم على نحو فعّال بعد انتهاء المونديال، بحُكم انخفاض شعبية كرة القدم في الولايات المتحدة، ما يُسبب بهدر كبير للأموال التي لن تعود بالفائدة على الاقتصاد المحلي.
يُشار إلى أن كأس العالم تُعدّ محطّ أنظار فئة كبيرة من الناس، ولا تقتصر فقط على مشجعي كرة القدم، لكن الترويج للمنافع الاقتصادية التي يُدخلها المونديال إلى اقتصادات البلدان المُضيفة، ليست سوى ترويج من الشركات الراعية لجذب الأنظار إليها، وعادةً ما تكون المنفعة الكبيرة من حصة الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، بحسب تقارير.
يُذكر أن مونديال قطر يعتبر الأعلى كلفة في تاريخ كأس العالم بفاتورة زادت على 200 مليار دولار، بعد أن جهزت الدوحة بنية تحتية متكاملة، تتضمن شبكة طرق ومواصلات داخلية، إلى جانب بناء 8 ملاعب ضخمة لاستضافة مباريات المونديال.
تلفزيون الخبر