في مهنة الخراطة.. “الطورنجي” أبو ناصيف: عمّال المصلحة مظلومين!
لم يقصد “الطورنجي أبو ناصيف” (60 عاماً) زوجته التي لطالما أحبّها عندما ردّد جملة “كانت شايفة حالها”، بل وجّه كلامه للمهنة الأقرب إلى قلبه الخراطة والتسوية داخل ورشته بجرمانا في ريف دمشق أثناء حديثه مع تلفزيون الخبر.
ووصف “أبو ناصيف” عمّال المصلحة بالمظلومين بسبب تراجع واقع المهنة مقارنة بالماضي، قائلاً: “أبدأ عملي من الساعة الـ 7 صباحاً حتى الـ 7 مساءً للحصول على ساعتين فقط من الكهرباء في ظل التقنين الجائر”.
وتكلَّمت تجاعيد وجه “أبو ناصيف” عن “تعبه وشقائه بمزاولة مهنة الخراطة والتسوية لأكثر من (40 عاماً)، ثم تحدّث عن أصل مصطلح (الطورنجي) الذي يعود إلى كلمة Turning machine (مكنة الخراطة)، حيث ورثه عمّال المصلحة عن أجدادهم”.
وقال “الطورنجي”: “الخراطة أمّ المهن لحاجة جميع الأعمال لها مثل النجارة والحدادة وغيرها”، مشيراً إلى “أنّها واسعة ولها اختصاصات متنوّعة منها خراطة السيارات والمكنات وغيرها، وصولاً إلى الخراطة العامة”.
وأكمل “أبو ناصيف”: “المهنة تعتمد على تشغيل المعادن باستخدام المخرطة، وهي من الآلات التي تعمل على إنتاج الأجزاء الأسطوانية والسطوح الدورانية التي تساعد على تصنيع الكثير من السلع”.
ومن الأرجح أن كل من يرى آلية العمل التي يُتقنها “أبو ناصيف” يقول: (تسلم هالأيادي) بعد رؤيتهما مغطستان بالشحم والزيت أثناء تصنيعه قالب معدني خاص بإنتاج رؤوس الأرغيلة، حيث مرّر الكتلة الحديدية على المنشار الآلي، وقطّعها ثم تحكّم بها على آلة (المخرطة).
وروى “أبو ناصيف” خطوات “العمل عبر آلة (المخرطة)، ثم سنّ الأقلام المعدنية على مكنة (الجلخ) التي تساعد في حفر القالب بالشكل المطلوب، ثم حفر القطعة المعدنيّة على (المثقب)، وصولاً إلى آلة تدعى (الملزمة) التي ساعدت على فتح مكاناً للبراغي لخدمة القالب، ثم اختار البرغي المناسب لها”.
ولفت “أبو ناصيف” بعد أن أنزل نظارته إلى أن “الآلات الحديثة لن تستغني عن (الطورنجي) مهما تطوّرت، لأنّها ستبقى بحاجة الأدوات البسيطة والورشات المتواضعة وجهود معلّم المصلحة لتشغيلها بالشكل المناسب”.
وعكست الأدوات الموجودة في الورشة صعوبات المهنة على من يعمل بها جسدياً وفكرياً كما وصف “أبو ناصيف”، قائلاً: “لا يمكن الحديث عن نجاح القالب إلا بعد رؤية الإنتاج من خلاله، فيما يتم تحديد تكلفة القطعة بعد حساب سعر المواد الخام وأجرة العمل بما يتناسب مع قدرة الزبون”.
ولم يختصر العطاء عند “أبو ناصيف” الستيني على “مهنته فقط، بل كان مربيّاً فاضلاً لأجيال عبر تدريبه آلاف الشباب من فئة الناشئين والأشبال كرة القدم منذ (44 عاماً) حتّى اليوم في إحدى نوادي سوريا”.
وتباينت ذكرياته في تفاصيل الصور المعلّقة على حائط الورشة المعتّق، التي نقلت وجوده في إحدى مخيّمات الكشَاف كقائد فوج 17، وهو يعلّم الذين يصغروه سناً الكثير من الأمور التربوية، إضافة إلى مهاراته في العزف آنذاك على أغلب الآلات الموسيقية التي مازالت ألحانها مسموعة في مسيرته الطويلة”.
كلير عكاوي – تلفزيون الخبر