بعد أشهر على “إعادة هيكلته” .. هل وجّه الدعم الحكومي لمستحقيه؟
“الكحل أحسن من العمى” هذا باختصار ما قالته أم مازن (45 عاماً – مدعومة) لتلفزيون الخبر، وهي تنتظر دورها للحصول على مخصصات أسرتها الشهرية من مادتي السكر والأرز، اللتين يجري بيعهما بسعرٍ مخفّض عبر صالات مؤسسة السورية للتجارة، وهو حال كثير من العائلات في ظلّ اشتداد الأزمة المعيشية التي تعيشها سوريا.
لكن بعد مضي عدة أشهر على قرارات اتخذتها الحكومة بشأن إعادة هيكلة الدعم، هل تغيّر حال “أم مازن” وغيرها من المحظوظين بالدعم الحكومي؟ بعد رفعه عن كثيرين بهدف التخفيف من عجز الموازنة، وتخصيص كتلة مالية لدعم الأسر الأكثر فقراً، بحسب تصريحات سابقة لرئاسة الحكومة.
إضافةً إلى دعم العملية الإنتاجية، العمل على تحسين القدرة الشرائيّة للمواطنين، ودعم ثبات سعر صرف الليرة، وهل وجّهت فروقات الدعم الناتجة لمستحقيها فعلاً؟ تساؤلات ينطق بها لسان حال السوريين.
عضو في مجلس الشعب: ما الفائدة التي جناها المواطن
بهذا الشأن، قال عضو مجلس الشعب، الدكتور محمد عبدالكريم، لتلفزيون الخبر: “عندما رفعت الحكومة الدعم قبل ثلاثة أشهر عن قسم من السوريين، وعدت بأن ذلك سيكون مقابل تأمين المواد المدعومة للمواطنين الأشد حاجة له”.
وتابع عضو مجلس الشعب عن محافظة حماة: “إضافةً إلى إمكانية تقديم زيادة في مقدار الدعم لهؤلاء، أي أنها ستقوم بتوزيع الحصص الموفّرة من رفع الدعم لتحسين حصص العائلات الأشد فقراً، فلم توفّر المواد المدعومة (بحسب زعمها)، ولا قامت بزيادتها”.
وأضاف البرلماني: “بل أصبحت المواد والتي من المفروض أن يقوموا بتوزيعها شهرياً على الأسر (التي بقيت مدعومة) توزّع كل ثلاثة أشهر أو أكثر، فمن حق المواطن أن يتساءل أين الكميات التي وفّرتها الحكومة من الأسر التي رفع الدعم عنها، وهو رقم لا يستهان به؟ وأين حصص الأسر التي لا تزال مستهدفة بالدعم؟”.
وتساءل عضو مجلس الشعب: “كخطوة أصرت الحكومة على اتخاذها دون الرجوع لمجلس الشعب.. ما الفائدة التي جناها المواطن (أو الفقير على الأقل) بحسب زعم الحكومة؟”.
تساؤلات أهل الاقتصاد
من جهته، قال أستاذ كلية الاقتصاد في جامعة تشرين، الدكتور أحمد أديب أحمد، لتلفزيون الخبر: “بعد أشهر من رفع الدعم الذي قامت به الحكومة عن مئات الآلاف يحق لنا أن نتسائل: أين ذهبت فروقات الدعم بعد رفعه عن شريحة واسعة؟ أين انفقتها الحكومة؟ وكيف انعكست على الاقتصاد والمستوى المعاشي للسكان؟ هذا الأمر الذي وعدت به الحكومة ولم نرَ له أيّة انعكاسات إيجابية”.
وتابع الاقتصادي: “من المفترض في هذه الحالة أن يتم مساءلة الحكومة عن الإجراء الذي اتخذته، خاصةً وأن كثيراً من الذين رفع عنهم الدعم هم من المستحقين، ولكن رفع الدعم جاء نتيجة أخطاء في البيانات، وفي المنهجية التي اتبعتها، وفي التثقيلات التي قامت بوضعها لاختيار الأشخاص الذين تمّ رفع الدعم عنهم”.
وأضاف “أحمد”: “أنا كاقتصادي أرى أنه كان من الواجب أولاً إعطاء مهلة كافية لدراسة البيانات وتقييمها وتدقيقها لتجنّب الوقوع في المشكلات التي لم تحل حتى الآن، فحتى تاريخه لم يتم حل وضع كثير من العائلات التي رفع عنها الدعم، رغم تقديمهم للوثائق المطلوبة، ولكن لا حياة لمن تنادي”.
وأشار أستاذ كلية الاقتصاد إلى أنه “من جهة ثانية، بالنسبة للمبالغ التي صرّحت الحكومة بأنها قامت بتوفيرها جراء رفع الدعم، لم نر أنها وضعت في مكان ينهض بالمستوى المعاشي للسكان، فلا الرواتب زادت، ولا المشاريع الإنتاجية أنشئت، ولا المشاريع الصغيرة والمتوسطة دُعمت”.
وتابع الاقتصادي: “هذا يعني أن فائض الدعم إما أنه لم يكن بالمستوى الذي صرّحت عنه الحكومة أو أنه يُسرق، ويمكن ترجيح أي من الاحتمالين طالما لا توجد وثائق أو تصريحات رسمية، ولا شفافيّة من قبل الحكومة لتبيان أين هي آثار رفع الدعم؟”.
وأضاف الدكتور “أحمد”: “من جهة ثالثة وعدت الحكومة أن عملية رفع الدعم ستساهم بتأمين المواد وتوفّرها في الأسواق، ولكننا شاهدنا العكس تماماً، فوضع الأفران ازداد سوءاً، وحوامل الطاقة انعدمت رغم أن الحجة هي عدم وصول التوريدات، مع أننا حفظنا هذه الحجة منذ عشر سنوات”.
وتابع الأستاذ الجامعي: “دائماً يتم قطع حوامل الطاقة في الأسواق بحجة تأخّر التوريدات أو عدم وجودها، لنتفاجأ بعدها برفع أسعارها، فهل ننتظر زيادة سعرية جديدة مثلاً للوقود والغاز؟ لا أحد يدري ماذا تخطط له الحكومة؟ وكيف تساهم في امتصاص ما تبقى من إمكانيات الشعب الفقير؟”.
الدعم النقدي.. بين شد وجذب
يضيف الدكتور “أحمد”: “عندما سمعنا مؤخراً تصريحات وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بأن هناك دراسة لتحويل الدعم إلى دعم نقدي، وهو ما أطالب به منذ سنوات عبر وسائل الإعلام وفي مقالات خاصة، فاجأنا رئيس الحكومة بأنه لا دعم نقدي نهائياً، ولن تتغيّر آلية الدعم المتبعة”.
وأشار الاقتصادي: “هذا أمر أراه سلبياً جداً ولن يؤتي بأيّة ثمار لا على المستوى القريب ولا البعيد، لأن الدعم العيني بشكله الحالي كالبقرة الحلابة بالنسبة للمسؤولين، ومن خلاله يتم سرقة فوائض كثيرة، والالتفاف على القانون وفتح مسارب الهدر والفساد، وما إلى ذلك من هذه الأمور”.
وتابع “أحمد”: “لن يصل الدعم لمستحقيه إلّا إذا تحوّل إلى دعم نقدي حقيقي، يتم صرفه للأسر المحتاجة أو الأشخاص المحتاجين وفق آلية واضحة ومعلنة”.
دعوات لتوجيه الدعم بطرقٍ عصرية
وتابع أستاذ الاقتصاد: “يجب اتخاذ قرار جريء، فعّال وواضح بوقف آلية الدعم الحالية التي تمتهن كرامة المواطن، وتسرق من جيبه لصالح المسؤول الفاسد، وتقطر له المواد المدعومة بالقطارة، بينما يجب أن يكون الدعم واضح الآلية وممنهجاً بطريقة عصرية، إن كان هناك جديّة في التمسك بمبدأ الدعم حقيقةً لا على الورق”.
ليختم الاقتصادي حديثه بالقول: “من الضروري جداً المحافظة على قواعد الشعب، وهي الفلاح، العامل، والمقاتل، لذلك يجب أن يتوجّه الدعم الحقيقي لدعم الفلاحين في زراعتهم من أجل دعم الإنتاج، ودعم العمال في عملهم من أجل دعم الإنتاج الصناعي، ودعم المقاتلين في قطعاتهم وحياتهم من أجل استعادة كل شبر مسلوب ومحتل من الأرض السورية”.
مصدر في حماية المستهلك: لا فروقات نتجت جراء رفع الدعم
وقال مصدر في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، (فضل عدم الكشف عن اسمه)، لتلفزيون الخبر: “عندما بدأت الحكومة بإعادة هيكلة الدعم اصطدمت بموضوع الحصار العالمي على المواد الغذائية جراء الحرب في أوكرانيا، وانعكاسات هذا الأمر على ارتفاع الأسعار عالمياً”.
وتابع المصدر: “إضافةً إلى ارتفاع تكاليف النقل المترتبة على عملية الاستيراد بسبب ارتفاع تكاليف النفط عالمياً، ما أدّى إلى رفع التكلفة إلى حوالي الضعف تقريباً”.
وأوضح المصدر: “ناهيك عن أن برنامج الدعم في سوريا هو عبارة عن حلقة كاملة ومترابطة، فهو لا يقتصر فقط على دعم المواد الغذائية، إنما يشمل دعم التعليم، الطبابة.. وغيرها، وهو لم يتبلور حتّى الآن بشكله الكامل”.
وعن لحظ أي تغيّرات في مواعيد تسليم المواد المدعومة للمستفيدين أو كمياتها، قال المصدر: “بطبيعة الحال لم تقل الفترة الزمنية، ولكن لهذا أسبابه أيضاً، فالكميات الموجودة أو التي نقوم بتأمينها انخفضت، وفقاً لمتغيّرات متعلّقة بالتضخم والظروف العالمية”.
وحول التساؤلات، أين تمّ توجيه الفروقات الناتجة؟ ولماذا لم توجّه للفلاح مثلاً، أجاب المصدر: “لإنه حقيقة وبعملية حسابية بسيطة تلحظ أنه لم ينتج فروقات أساساً، نتيجة الظروف التي ذكرتها سابقاً، والتي أثرت على السوق العالمية عموماً، وعلى سوريا كدولة تتعرّض لعقوبات أحادية الجانب على وجه الخصوص”.
يُذكر أن الحكومة تتبنى دعم العديد من السلع والخدمات الأساسية كالكهرباء، الغاز، البنزين، الخبز، وغيرها، حيث يعتمد معظمها على التوزيع عبر البطاقة الذكية، وفق كميات محددة وبأسعار أقل من سعر التكلفة.
وكان يعتبر وزير التجارة وحماية المستهلك، الدكتور عمرو سالم من أشد مناصري رفع الدعم بشكلٍ كامل وتحويله لدعم نقدي مباشر للأسر، من خلال منشوراته على “فيسبوك”، قبل توليه الوزارة.
تجدر الإشارة إلى أنه تمّ استبعاد 596628 بطاقة أسرية من الدعم الحكومي كمرحلة أولى، بدايات شباط الماضي، أي ما يعادل 15 بالمئة من البطاقات بحسب تصريحات سابقة لمعاون وزير الاتصالات. في من خلل الية شهدت أخطاء كثيرة، وما زالت
شعبان شاميه – تلفزيون الخبر