الإمارات تستقبل الأسد: أعطوا السلام فرصة!
عندما غنى جون لينون “أعط السلام فرصة” في عام 1975، كانت سوريا تتوقع تمردًا عسكريًا من قبل جماعة الإخوان المسلمين المتطرفة – المدرجة على أنها جماعة إرهابية في العديد من البلدان – والتي كان هدفها الإطاحة بالحكومة العلمانية في دمشق وإقامة دولة أخوانية رجعية على أساس تعليمات سيد قطب. على الرغم من الدعم الخارجي اَنذاك، استمر التمرد الأخواني حوالي ثلاث سنوات فقط (1979-1982) مع انتصار عسكري واضح للجيش السوري في معارك أسفرت عن مقتل الآلاف من الجانبين.
جرت محاولة مماثلة من قبل جماعة الإخوان المسلمين وجماعات متطرفة أخرى ضد دمشق في عام 2011 وما زلنا نعيش العواقب الكارثية للحرب المستمرة؛ مئات الآلاف من القتلى وملايين اللاجئين وزعزعة للاستقرار الإقليمي وانتشار الإرهاب عابر للحدود.
بينما تأتي الحرب الأوكرانية في مقدمة المشاهد السياسية والإعلامية اليوم وبمحاولات خجولة لإطفاء نيران حربٍ قد تنتشر في جميع أنحاء أوروبا بسبب تعنت اللاعبين السياسيين المتورطين في هذه الحرب، والذين لديهم مصالح ضيقة لا تتماشى مع الأمن الإقليمي لأوروبا، يبدو أن الإمارات العربية المتحدة تنتهز الفرصة لتعزيز السلام في سوريا التي مزقتها الحرب.
يلوم المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون الرئيس بشار الأسد على ما يسمونه “حملة قمع وحشية ضد المتظاهرين السلميين” ويرفضون الاعتراف بفشل حرب تغيير النظام، والتي أقرت وكالة المخابرات المركزية بأنها أنفقت أكثر من مليار دولار في برنامج سري سُمّي بـTimber Sycamore لإمداد الأسلحة والتدريب لدعم الجماعات المسلحة المناهضة للأسد. ويقول النقاد إن إحدى نتائج البرنامج السري للمخابرات الأمريكية كانت تدفق الأسلحة الأمريكية بما في ذلك البنادق الهجومية وقذائف الهاون والقذائف الصاروخية إلى الأسواق السوداء في الشرق الأوسط مما أثار مخاوف بشأن تحويل الأسلحة إلى الجماعات الجهادية، لا سيما الجماعات المتطرفة التي تدعمها تركيا وقطر، مثل جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام.
هذا الفشل السياسي ورفض فتح صفحة جديدة مع الأسد دفع البلاد إلى مأزق سياسي ووضع اقتصادي مدمِّر حيث يعيش 90 في المائة من السوريين تحت خط الفقر، وحوالي 12.4 مليون شخص – ما يقرب من 60 في المائة من سكان سوريا – يُعتبرون الآن غير آمنين غذائياً، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 57 في المائة منذ عام 2019، وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي.
وعلى الرغم من معارضة الولايات المتحدة، فإن دول المنطقة مثل الإمارات والأردن والبحرين ومصر تعمل على تسريع جهود الاستقرار والتكامل الاقتصادي الإقليمي من خلال بوابة سوريا التي تتمتع بموقع سياسي وجغرافي مهم.
التطبيع مع دمشق
أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق في كانون الأول 2018، في خطوة قالت الإمارات بأنها تهدف إلى تطبيع العلاقات والحد من مخاطر التدخل الإقليمي في “الشؤون العربية والسورية” – في إشارة واضحة إلى تركيا وإيران اللتين دعمتا أطرافًا متصارعة في الحرب. وكتب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش على تويتر اَنذاك “القرار الإماراتي… جاء بعد قناعة بأن المرحلة المقبلة تتطلب الوجود والتواصل العربي في الملف السوري”.
في تشرين الثاني 2021، التقى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، مما أرسل إشارة واضحة إلى أن العالم العربي مستعد لإعادة التعامل مع الرئيس الأسد فيما يتعلق بالاستثمار الاقتصادي والملفات السياسية المتعلقة بالإقليم، وعلى رأسها احتواء النفوذ التركي والإيراني في المنطقة، والقضاء على فلول الجماعات الجهادية في سوريا، والاستثمارات الاقتصادية في قطاعي الطاقة وإعادة الإعمار.
والتقى الرئيس بشار الأسد، الجمعة، بصاحب السمو الشيخ محمد بن زيد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد العام للقوات المسلحة في دبي. حيث كانت هذه أول زيارة خارجية للأسد لدولة عربية منذ اندلاع الحرب، مما يشير إلى تطور العلاقات بين الطرفين واعتماد دمشق على الدور الإماراتي المتنامي في المنطقة والذي يهدف إلى تهميش الحركات الجهادية وتعزيز التعاون الاقتصادي بدلاً من الاقتتال ونشر التطرف الذي يبدو أن أنقرة والدوحة لم تتخلوا عنه بعد.
واعتبر الشيخ زايد، الذي استقبل الرئيس الأسد في قصر الشاطئ، أن هذه الزيارة تأتي في إطار حرص أخوي وتنسيق بين البلدين تجاه مختلف القضايا، مؤكدًا أن سوريا تعتبر ركيزة أساسية في الأمن العربي. ولذلك فإن موقف الإمارات ثابت في دعم وحدة أراضي سوريا واستقرارها.
وأكد الشيخ زايد على ضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية المتواجدة بصورة غير شرعية على الأراضي السورية، معربا عن حرص بلاده على تعزيز التعاون مع سوريا في المجالات التي تحقق تطلعات الشعبين الشقيقين.
وقالت الولايات المتحدة في بيان ردا على زيارة الرئيس السوري بشار الأسد يوم الجمعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، إنها “تشعر بخيبة أمل شديدة ومقلقة من هذه المحاولة الواضحة لإضفاء الشرعية” على الأسد.
وفي هذا الصدد، انتقد المدير الإقليمي لمركز الشرق الأوسط البريطاني للدراسات والبحوث أمجد طه موقف إدارة بايدن وقال: “الإمارات تواصل بناء الجسور من خلال الحوار مع جميع الأطراف”.
وأضاف طه: “خيبة أملكم تؤكد نجاح الزيارة”، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة لا تريد إعادة إعمار سوريا، وأن إدارة بايدن تريد لـ”طالبان حلب” بأن تحكم دمشق.
ويشار إلى أن العلاقات بين الإمارات والولايات المتحدة ليست على نفس المستوى الذي كانت عليه في ظل إدارة ترامب، خاصة بعد أن صنف الرئيس جو بايدن خصم الإمارات قطر كحليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي للولايات المتحدة.
و في انزعاج واضح من سياسات بايدن في المنطقة، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال هذا الشهر أن قادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لا يتلقون مكالمات هاتفية من الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ أسابيع ويرفضون زيادة صادرات النفط من أجل تعويض ارتفاع الأسعار المرتبطة بحرب أوكرانيا والتي يمكن أن تؤثر على إمدادات النفط الأمريكية خلال المرحلة الجديدة من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا.
وفي هذا الصدد، قال الرئيس التنفيذي لشركة Gulf State Analytics، جورجيو كافييرو، إن زيارة الرئيس الأسد إلى الإمارات العربية المتحدة هي نقطة تحول توضح بشكل أكبر كيف أن سياسة أبوظبي الخارجية تتماشى بشكل متزايد مع مصالح روسيا والصين، وليس مع مصالح الولايات المتحدة.
مع استعار حدة المعارك في أوكرانيا والاصطفاف المتزايد لدول الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة، هل تستطيع النخب في بروكسل اتباع سياسة مستقلة نسبيًا تجاه سوريا وتشجيع الجهود الإماراتية لإعادة الاستقرار إلى البلاد؟ فالمنطق والجغرافيا تقولان بأنه يجب على الاتحاد الأوروبي تبني نهج سياسي يعيد الاستقرار في الشرق الأوسط وإعطاء فرصة لشعوب المنطقة للتعافي وإعادة البناء والتطور. لأنه من خلال التنمية الاقتصادية والتكامل بين دول المنطقة يمكن القضاء على الفقر وتهميش الأيديولوجيات المتطرفة، وبالتالي يمكن تجنب المزيد من الأزمات الإنسانية وأزمات اللاجئين في أوروبا أيضاً. فهل من عاقل مستمع؟
كيفورك ألماسيان، إعلامي مستقل، مؤسس منصة Syriana Analysis