العناوين الرئيسيةصحة

مرضى يفضّلون المعالج عن الطبيب النفسي.. تكاليف باهظة للجلسات وندرة بالأطباء

لم تكن الأدوية التي وصفها الطبيب النفسي لمرام (اسم مستعار) التي تعمل كصحفية وعمرها 26 عاماً، سوى علاجاً ضارّاً خدّرها لساعات وفصلها عن واقع حياتها، الأمر الذي أربكها وزاد اضطرابها بعد أن كان ملاذها الوحيد للخروج من رحم المعارك العنيفة التي شهدتها خلال عملها الصحفي في درعا، بحسب وصفها لتلفزيون الخبر.

وأكدت “مرام” أن “حالتها النفسية تدهورت لما شاهدته من صور سيئة خلال فترة الحرب التي جعلتها تفقد السّيطرة على نفسها، وحوّلتها لفتاة متوحدة انطوائية رافضة رؤية الآخر، ثم اقتنعت باللجوء إلى طبيب نفسي، حيث شخّص حالتها بالاكتئاب الحاد الذي يدفع المريض للانتحار”.

وقالت: “عند ملاحظتي لأثر الأدوية السّلبي على نفسيتي تردّدت وتراجعت، ثم اتخذت قراراً بوقفها وآمنت أن علاجي سيكون أفضل لدى الاختصاصي النفسي دون تناول المزيد من العقاقير من قبل بعض الأطباء النفسيين التجاريين”.

وأضافت: “رافقت الدعم النفسي لعدّة سنوات واستفدت كثيراً طيلة فترة العلاج، ثم لجأت إلى الدعم النفسي الذاتي ودعم الأقارب، مؤمنة أني العلاج الأبدي لنفسي، وقرأت مقالات وشاهدت مقاطع الفيديو لأشخاص كان لديهم تجارب نفسية في جميع دول العالم، وبعدها غيّرت نظام حياتي، وتعاملت مع اضطراباتي النفسية المتكرّرة باتخاذ مساحة خاصة للراحة مع نفسي”.

وأكملت: “رغم اطلاعي وقراءتي منذ الصغر لكنّي رفضت فكرة الذهاب إلى طبيب أو معالج نفسي، ليس بسبب التقاليد الموروثة التي تعتقد أن هذه العيادات خاصة بالمجانين، ولكن لاحترام خصوصيتي وعدم بالبوح بأسراري”.

وتابعت “مرام” أنه “ربما كان هذا الرفض بسبب حساسيتي الزائدة في تلك الفترة بعد فقداني لعدد من الأحبة وفشلي المتكرر ببعض العلاقات العاطفية، إلى أن انقلبت الموازين وتغيّرت الأحوال وأصبحت أول المراجعين”.

من يحدّد أفضلية العلاج بين الطبيب والمعالج النفسي وما الفرق بينهما؟

“المريض ليس من يقرّر أفضلية الذهاب إلى الطبيب أو المعالج النفسي، بل يعود الاختيار إلى طبيعة ونوعية الاضطراب وشدته”، بحسب ما أكد الاختصاصي النفسي علي عمّار لتلفزيون الخبر.

وأوضح “عمّار” أن “الفرق بين المعالج والطبيب النفسي هو أن الأخير درس الطب و90 بالمئة من عمله يترتّب بالعلاج الدوائي، ومثال على ذلك عندما يعاني المريض من أرق أثناء النوم أو فقدان المتعة بالأشياء أو فتور بالهمّة وانخفاض بالرغبة الجنسية، يصف له الطبيب مضاد للاكتئاب مع مضاد للقلق”.

وأكمل “عمار” أما المعالج النفسي الذي درس علم النفس “يبحث بالشخصية السابقة للمريض والعوامل التي أودت به إلى ذلك مع الاطّلاع على واقع التربية والنشأة والتجارب التي مرّبها إلى أن وصل إلى هنا”.

وقال “عمار”: “هناك مرضى لا يحتاجون إلى الوصف الدوائي بشرط ألا تكون حالتهم شديدة مثل الذين يعانون من حالة قلق ما أو فوبيا أو عقد نفسية منها الاستعلاء والنقص، ولكن عندما يترافق ذلك مع أعراض تؤثر على السلوك الخارجي للمريض يجب أخذ الدواء تزامناً مع العلاج النفسي”.

وأكد “عمّار” أن “وجود أمراض عقلية أو أعراض فُصامية مثل الهلوسات السمعية أو البصرية، وظهور الأوهام الغريبة مثل الشك بوضع أحد الأشخاص المقربين السّم في الطعام أو شعور المريض بمعظم مشاكله أن هناك مؤامرة كونية تُحاك ضده تستدعي مراجعة الطبيب النفسي”.

وتعود الحاجة لذلك، وفقاً “لعمار” إلى “أخذ مضادات الذهان (هي من أنواع أدوية العلاج النفسي المهدّئة للأعصاب، والتي تُستخدم للتحكم في مرض الذهان، ويشمل الأوهام أو الهلوسات)”.

وقال “عمار”: “رغم كل تلك الفروقات مازال المجتمع يعاني حتى الآن من عدم وجود ثقافة الذهاب إلى الطبيب أو المعالج النفسي”.

ثقافة اللجوء إلى الطبيب والمعالج النفسي في المجتمع السوري

لم يكن موعداً غرامياً تنتظره نغم (اسم مستعار) ربّة المنزل التي يبلغ عمرها 29 عاماً بفارغ الصبر، بل هو لقاءها الثاني مع الاستشارية النفسية لمتابعة حالتها التي تدهورت بسبب تفاقم الخلافات الزوجية، التي عجزت عن حلّها مع زوجها على أمل الوصول إلى طريق آمن يجمعهما على المحبة بدلاً من فكرة الانفصال”، بحسب قولها لتلفزيون الخبر.

وأضافت “نغم”: “لا أخجل من فكرة اللجوء إلى الطبيب أو المعالج النفسي لأنهما يقدّمان للمريض راحة نفسية عندما يفهمانه، وأنا بذلك أفرّغ كل ما بداخلي من فوضى عارمة، رغم أنّي متأكّدة أن الحديث معهما لن يكون ملاذي الدائم بعد فترة العلاج، لأن المريض جدير بتقوية وعلاج نفسه مادام الأقرب إلى معاناته وأوجاعه”.

وقالت: “سأتواصل مع الاستشارية النفسية عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعي لعدم وجود أطباء ومعالجين بالمكان الذي أقطن فيه في ريف حمص الجنوبي”.

بدورها، أكدت الاستشارية النفسية هبة موسى لتلفزيون الخبر أن “ثقافة الذهاب للطبيب أو المعالج النفسي في المجتمع السوري من سيء إلى أسوء، معتبرة وجود وصمة مجتمعية تستدعي الشخص لأن يرفض العلاج”.

وأضافت “موسى”: “عدد الحالات التي تتوافد لدي للعلاج لا تتجاوز الـ 3 شهرياً، وبالمقابل إذا نظرنا إلى وجوه الأشخاص في الشوارع السّورية نلمس كمية الاضطرابات النفسية الموجودة”.

وذكرت “موسى” أنها “لا تعتقد أن السبب وراء ذلك التكلفة المرتفعة لإمكانية وجود حلول افتراضية عبر الانترنت للعلاج، إضافة إلى لجوء بعض المرضى لدفع مبلغ قدره 30 ألف ليرة سورية للأطباء والمعالجين النفسيين دون الخبرة الأكاديمية وغير المؤهلين في جلسة لا تتجاوز الربع ساعة”.

وأكملت “موسى” أن “أعداد الأطباء المحترفين والمعالجين النفسيين الذين يتمتعون بالخبرة في سوريا ليس قليل”.

ما حقيقة قلّة الأطباء النفسيين في سوريا؟

أكد رئيس رابطة الأطباء النفسيين في سوريا، الدكتور مازن الخليل لتلفزيون الخبر “قلّة الأطباء النفسيين في البلاد، حيث بلغ عدد العاملين 70 طبيباً، 45 منهم متواجدين ضمن دمشق وآخرين في بعض المحافظات”.

وقال “الخليل” إن “بعض المحافظات يوجد فيها طبيب واحد أو لا يوجد، ونحن نحتاج إلى 2000 طبيب”.

وأوضح رئيس الرابطة أنه “بالرغم من إقبال الطلاب، مؤخراً، للدخول في هذا الاختصاص، حيث وصل عدد المتقدمين إلى 10 طلاب سنوياً بعد أن كان واحد أو اثنين، إلا أن سوريا تعاني من نقص بسبب سفر أغلب الشّباب المتخرجين حديثاً أو الدخل القليل الذي يعانون منه، ناهيك عن أسباب أخرى”.

وأفاد “الخليل” أن “المعاينة محدّدة من فترة ما قبل الحرب 1000 ليرة سورية، أما التسعيرة حالياً 3000 ليرة سورية، ويتم الآن العمل على تعديل أجور معاينة الأطباء النفسيين بحسب درجات تعليمهم وخبرتهم”.

ومن غير الممكن حرمان المريض النفسي من العلاج بسبب التكلفة، بحسب ما أكد “الخليل” لأن هناك برامج داعمة مجانية على الأرض وعبر الانترنت مثل مشروع “فضفضة” أون لاين الذي أبصر النور منذ عام ونصف تزامناً مع فيروس كورونا.

وأشار الطبيب إلى أن “الإقبال على المنصّة بالآلاف، علماً أنّها تضم منسّقين وأطباء ومعالجين نفسيين واجتماعيين ومعالجين نطق تحت خطة مدروسة لتلقي العلاج، ناهيك عن وجود قسم للأطفال تحت إشراف الأهل”.

وبيّن “الخليل” أن “تشخيص حالة المريض هو من مهام الطبيب النفسي وليس المعالج، وهو المعني بقرار توجيه المريض إلى العلاج الدوائي أو عرضه للمتابعة أولاً عند المعالج النفسي مثل اضطرابات القلق التي لا تحتاج للأدوية عند استجابة المريض”.

وعن إقبال المجتمع حول فكرة الذهاب للطبيب أو المعالج النفسي، أكد “الخليل” أن “الحرب ضد سوريا كان لها دوراً كبيراً وفرضت نفسها وأدت إلى زيادة القبول عند المريض للجوء إلى العلاج، والدليل إنشاء عيادات نفسية خاصة وشاملة في أفرع الهلال الأحمر العربي السوري”.

وأضاف “خليل”: “كل دواء له استخدامات متعدّدة لكن شركات الأدوية تكتب على بعض نشراتها مضاد صرع بحسب ترخيصها، وله استخدامات أخرى مثل تعديل المزاج، وهذا ما يسبّب رفض عند بعض المرضى الذين يتأثرون بما يكتب، ويرفضون الذهاب للأطباء النفسيين على حساب لجوئهم إلى المعالجين النفسيين”.

وتابع “خليل”: علماً أن الأدوية لا تسبب الاعتياد إلا إذا كان لدى المريض بنية حاضنة وشخصيّة تسعى إلى الاعتياد، والدليل أن مرضى القلب لا يعتادون على المورفين ولا يطلبون الحصول عليه بعد خروجهم من المشفى”.

كلير عكاوي – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى