بلا سقف ولا بطاقة..البنزين “الحر” يغيب عن كازياته ويحضر في كازيات “المدعوم”
تواصل الأسواق السورية “ضبط إيقاعها” على وقع قضية الدعم، ما بين مستبعد ومستفيد، ومدعوم وحر، و”جواني وبراني”.
بداية “مرتبكة”وأحدث قرار البدء باستبعاد شرائح محددة من السوريين من منظومة الدعم، منذ مطلع شباط الحالي، حالة من الفوضى في التجربة الجديدة، التي يخوض السوريون غمارها.
وبدأت المشاكل منذ ساعات تطبيق القرار الأولى، سواء بمشاكل تقنية في تطبيق “وين”، أو من استبعاد أشخاص من مظلة الدعم، لأسباب غير دقيقة، كوجودهم خارج البلاد، وهم لم يغادروا الحدود السورية طيلة عمرهم.
واستنفرت الحكومة في أول أيام الاستبعاد من الدعم، وفتحت منصات للاعتراضات، وشرحت آليات لتصحيح الأخطاء، التي أقر وزراء فيها بوجودها، مع تسجيل تصريح لافت لوزير النفط بسام طعمة، قال فيه: “لو كان هناك علم لدى الحكومة أن قواعد البيانات تحوي أخطاء، لما تم إطلاق منظومة رفع الدعم عن بعض الشرائح المقتدرة.”
وسلك القرار أخيراً طريقه نحو التطبيق عملياً، مع معالجة بعض الأخطاء هنا، وإعادة بعض الشرائح للدعم هناك، مع لحظ أن عملية الاستبعاد، ماتزال مستمرة، وستضاف إليها شرائح جديدة، ربما لن يكون آخرها، فئة محددة من المحامين.
البنزين مثالاً ولم تتطابق حسابات “حقل” المسؤولين مع “بيدر” الأسواق في بعض المواد، ولنا في البنزين مثال، حول كيفية الضياع في إيصال المادة لمن يطلبها، وربما “الفساد” في تلك العملية.
ورصد تلفزيون الخبر حالات شكوى من أشخاص استبعدوا من مظلة الدعم، وتوجهوا لشراء البنزين بالسعر الحر، من الكازيات المخصصة له، في محافظة اللاذقية، حيث وقعت المفاجأة.
وقال أحد المشتكين لتلفزيون الخبر: “منذ تطبيق استبعادنا من الدعم وأنا لم أحصل على مادة البنزين، بعدما كنت أشتريها بالسعر المدعوم على البطاقة، حيث توجهت لإحدى الكازيات المخصصة لبيع الحر، ولكن اكتشفت أنها مغلقة، بسبب مخالفة بحق صاحبها”.
وتابع المشتكي: “توجهت لكازية أخرى خارج مدينة اللاذقية، يفترض أنها مخصصة للبنزين الحر، ولكنه رفض أن يعبئ لي أكثر من 20 ليتر، أعود بها للاذقية، كي لا تبيت سيارتي عنده، بانتظار وصول الفرج، مع البنزين الحر، غير موجود لديه”.
وأشار مشتك آخر لحادثة وقعت معه في إحدى كازيات مدينة جبلة، والمخصصة لبيع البنزين الحر، حيث قال: “تحجج العامل بعدم وجود بنزين حر في الكازية، وطلب مني التوجه لكازية أخرى قريبة منه، وتعود ملكيتها لأحد أقارب مالك كازية الحر”.
وتابع المشتكي: “توجهت للكازية المذكورة، ليخبرني العامل هناك أن لا بنزين حر على البطاقة لديه، وهي أصلاً كازية غير مختصة بالحر، لكنه عرض عليّ تعبئة ما أريد من المادة، وبـ3000 ليرة لليتر، دون سقف محدد، ودون قطع على البطاقة”.
وأضاف المشتكي: “جادلت العامل بأن السعر كثير نسبياً، فقال لي، بصراحة لا يمكن لنا أن نبيع اللتر بأقل من ذلك، (مابتوفي معنا، وبتخسر)، وهذا الموجود، إن أردت طلبك من المادة حالياً”.
واتفق المشتكيان على أن: “معظم كازيات اللاذقية، تتيح للسائقين، تعبئة ما يريدون من البنزين، بسعر أدناه 2700 ليرة، ووسطيته 2800، وغالبيته 3000 للتر الواحد، دون الحاجة لبطاقة، وبلا سقف محدد، وهم من يعرض تلك (الخدمة) على زبائنهم”.
وختم المشتكيان: “من سخرية القدر أن تذهب للكازية المخصصة للحر فلا تجد طلبك، وتذهب للكازية المخصصة للمدعوم، فتجد المادة بالسعر الحر و (فوقو حبة مسك)، وبدون بطاقة ولا سقف، ومع (مية هلا ومرحبا)، فهل من تبادل للأدوار وقع، ونحن لانعلم؟”.
أسئلة ويطرح كلام المشتكين عدة أسئلة، تثير فضول المتابع، تبدأ بالتساؤل عن مصدر البنزين المتاح والمتوافر بكثرة بأسعار ما بين 2700 إلى 3000 ليرة، وسط تقنين وتدقيق في صرف مخصصات السوريين، من المادة، سواء بالسعر المدعوم، أو الحر.
وتتيح البطاقة الذكية لصاحبها، بحال كان مدعوماً، الحصول على مخصصات محددة بسقف 100 ليتر شهرياً، بالسعر المدعوم والبالغ قدره 1100 ليرة، على دفعات خلال الشهر، بواقع 25 ليتر لكل دفعة، لا يتمكن صاحبها من تعبئتها، إلا بعد تلقيه رسالة، تدعوه لتعبئة مخصصاته المحددة لعملية التعبئة تلك.
وخصصت الحكومة العام الفائت، كازيات محددة في كل محافظة، تبيع البنزين بالسعر الحر، المقدر ب2500 ليرة لليتر، وأيضاً بسقف تعبئة، لا يتجاوز 80 ليتر شهرياً، فكيف يسلك “بنزين ال3000” طريقه لمن يريدن دون سقوف ورسائل ودفعات؟
وما هو مفهوم “المربح” بالنسبة لمن يبيعه ب3000 ليرة لليتر؟، وبكم “واقف عليه” الليتر، حتى يتمسك بالسعر دون “مفاصلة”، ومن يحتسب له سعر البنزين الذي سيعود ليبيعه بالسوق السوداء، ومن قلب الكازية؟.
حماية المستهلك تعد بالمتابعة بشكل سري وأعاد مدير حماية المستهلك في اللاذقية، أحمد زاهر، بتصريحه لتلفزيون الخبر، “قلة توافرية البنزين المخصص للبيع بسعر التكلفة لقلة الطلبات الواردة لمحافظة اللاذقية، من هذا الصنف، من فرع محروقات”.
وقال “زاهر”: “لا يوجد قرار بإيقاف البيع بالسعر الحر من الكازيات المخصصة له، من خارج مخصصات البطاقة، والمقدرة ب80 ليتر شهرياً، سواء للمستفيدين من الدعم أو لغير المستفيدين”.
وتابع “زاهر”: “الجديد فقط هو أنه على المستبعد من الدعم الاستمرار بانتظار رسالة لتعبئة مخصصاته من الكازية التي حددها سابقاً، لكن بالسعر الحر بدلاً من المدعوم”.
وأوضح “زاهر”: ” عندما تردنا شكوى عن كازية لا تبيع بنزين بسعر التكلفة، رغم كونها مخصصة له، نراقب رصيدها من نقطة المراقبة، وبأغلب الأحيان تكون نفذت الكمية لديها، لذا امتنعت عن البيع”.
وتابع “زاهر”: “عندما تردنا شكوى عن بيع بنزين بالسعر الزائد عن الرسمي نتعامل معها فوراً، ولم تردنا أية شكاوى عن وجود بنزين بسعر 3000 بالكازيات، خلال الفترة السابقة”.
وأكمل “زاهر”: “يسمح للكازيات بهامش محدد من فرق الكمية أثناء الجرد ومطابقة الكميات المستلمة والمسلمة، تقدر ب100 إلى 200 ليتر لكل طلب، كفرق عداد سماحي، أو فرق حرارة”.
وبين “زاهر” أنه: “يمكن أن تحصل الكازيات على بنزين مدعوم وتبيعه بالسعر الحر، من خلال بيع بعض المواطنين مخصصاتهم من المادة للكازية، بسعر يتفق عليه، وهو إجراء مخالف للقانون سواء للبائع أو المشتري”.
وقال “زاهر”: “بحال وجود كمية زائدة لدى الكازية عن الكمية اللازم تواجدها لديه بناء على جرد الاستلام والتسليم المضبوط والمؤتمت، تعتبر الكمية مخصصة للبيع بسعر زائد عن الرسمي، ويغرم صاحب الكازية بدفع ثلاثة أضعاف قيمة اللتر، حيث يصبح سعر اللتر عليه 7000 ليرة”.
واستكمل “زاهر”: “بحال تم ضبط كازية مخالفة نقوم بتسجيل المخالفة وإحالتها للقضاء المختص، ومخالفة البيع بسعر زائد، غرامة مليون ليرة وستة أشهر سجن للمخالف”.
وختم زاهر: “لا يمكن ضبط المخالفة إلا بمشاهدتها على أرض الواقع، أو بإقرار خطي من المشتكي بإن الكازية باعته بسعر زائد، وسنوجه دورياتنا لمتابعة هذه الظاهرة بشكل سري، بناء على الشكاوى الواردة لتلفزيون الخبر”.
من صور الفساد ويستغرب اللاذقانيون، أن تصيب مادة البنزين، ما أصاب غيرها من المواد، من تفلت في الأسعار، ومشاكل في التوافرية، وحضور سوقين بيضاء وسوداء للمادة، رغم الوعود الحكومية بضبط الأسواق، والتشدد بقمع المخالفات، عبر مديريات حماية المستهلك.
وتعيد الشكاوى للأذهان، ما كشفه العام الفائت، مسؤول مطلع على سير الأمور في مجال النفط، اشترط عدم ذكر اسمه، لتلفزيون الخبر، حول واحد من مصادر البنزين المسروق.
وقال المسؤول حينها: “يتلاعب القائمون على محطة الوقود بالعداد بقيمة ليتر ونصف إلى ليترين لكل 20 ليتر، أي يظهر على العداد أنه تم تعبئة 20 لتر للسيارة، لكن المعبأ يكون فعليا 18 ليتر”.
وتابع المسؤول: “بافتراض أن كازية ما استلمت خلال يوم ما 24 ألف ليتر، كطلب واحد، وقامت ب1200 عملية تعبئة، بواقع 20 لتر كل عملية تعبئة، خلال يوم واحد، يعني أنها نجحت بسرقة 2400 ليتر، في ذلك اليوم”.
وأضاف المسؤول: “بافتراض بيع ليتر البنزين المدعوم ” كان سعره 750 ليرة” بالسعر الحر ب3000 ليرة سورية، نجد أن الفارق الذي سيصب في جيبة صاحب الكازية يومياً، حوالي 5 مليون ليرة عداً ونقداً”.
بين الواقع والكلام وتبلغ حصص السيارات التي ما يزال أصحابها ضمن مظلة الدعم، 100 لتر شهرياً، لكن العديد منهم لا يستلم سوى 75 لتراً بالسعر المدعوم، حيث تبلغ فترة الانتظار بين كل عملية تعبئة والثانية بانتظار الرسالة، من 8 إلى 10 أيام.
وتقول الحكومة عبر مسؤوليها مراراً وتكراراً، أنها من خلال توجيه الدعم لمستحقيه، وتحديد سقوف محددة لعمليات التعبئة، تدير النقص الحاصل لديها في المواد المدعومة، بسبب الحصار الجائر الذي تتعرض له البلاد.
ويعني ذلك أن سوريا تعاني مثلاً من نقص في مادة البنزين، ما يفرض على الحكومة، تقنين توزيع المادة، فكيف نرى فائضاً في توافر المادة، عندما يحضر سعر السوق السوداء؟
وتدعم الحكومة العديد من المواد، كالمحروقات والخبز والرز، حيث تبيعها بأقل من سعر كلفتها عليها، من خلال منافذ بيع رسمية، أو منافذ غير رسمية، تفرض عليها بيع المواد بالسعر المدعوم، حيث يفترض أن تكون تلك العملية، مضبوطة بوساطة أجهزتها الرقابية.
يذكر أن الرئيس بشار الأسد أصدر العام الفائت، المرسوم التشريعي رقم 8، والذي يتشدد في بنوده بالعقوبات، مع مرتكبي مخالفات الاحتكار والغش، والبيع بأسعار تفوق السعر النظامي، وهو مرسوم إن طبق كما يجب، لوجد السوريون أسواقاً منضبطة ومستقرة، ما يعيد جدلية النص والتطبيق مجدداً للظهور، وسط الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
تلفزيون الخبر