شجرات ميلاد مستعملة للبيع .. أين يعلق السوريون فرحهم وأمنيات العام الجديد!
بوجه مبتسم وعيون ضيقة وأصابع نحيلة تقلب “سلام” الشابة الثلاثينية أكياس “الشيفون” المخصصة للف الملبّس في أحد محال بيع الضيافة والشوكولا بالقرب من ساحة الشيخضاهر في مدينة اللاذقية وتطويها وتقاطعها بدقة لتبدو وكأنها ستستخدمها لشيء ما غير ما صنعت لأجله.
في رحلة بحثها عن شجرة ميلاد وزينة وديكورات اقتصادية بدأت سلام جولتها من سوق الصفن وصولا إلى “العنّابة” لتدخل يميناً وسط الزحام في شارع ضيق مخصص لبيع الألعاب والزينة والملابس، في رحلة للبحث عن شجرة ميلاد وزينتها.
تقول سلام وهي خريجة معهد فنون يدوية لتلفزيون الخبر، الذي رافقها في جزء من جولتها، أنها بعد يومين من البحث والتفكير والاطلاع على الأسعار ستعيد التخطيط لشجرة الميلاد المناسبة لميزانيتها.
“رصدت مليون ليرة للشجرة والزينة، للحقيقة المبلغ لازال يرعبني ولكن بعد التفكير العميق .. هو مصروفنا لشهر مع التقشف”، ستعتمد السيدة بحسب قولها على مهارتها في صنع الأشياء يدوياً لتطبق زينة بأشكالٍ تابعتها عبر “يوتيوب” وصفحات “فيسبوك” خصصت محتواها مؤخراً لصناعة زينة الميلاد منزلياً، وستشتري شجرة ثمينة من نوع جيد.
“في العنابة البضاعة أرخص من أماكن أخرى.. المحلات مخصصة لبيع الجملة لكن النوعية رديئة، وأعتقد أن الشجرة ترتبط بالفرح والبهجة ولا يجب أن تكون رديئة أبداً خاصة أننا نستخدمها لسنين طويلة”، بهذه العبارات شرحت سلام لتلفزيون الخبر عن سبب عزوفها عن شراء الشجرة وزينتها من واحد من أكثر الأسواق الشعبية رخصاً مقارنة مع المحال الكبرى المخصصة لبيع ذات البضاعة.
وتتراوح أسعار الشجر الاصطناعي في الأسواق والمحال الشعبية بين ٣٥ ألف ليرة للشجرة بارتفاع متر واحد من النخب الثالث وبين ٣٥٠ ألفاً للشجرة التي يبلغ طولها ٢١٠سم من ذات النخب، في أسواق ومحال مخصصة لبيع الألعاب والزينة وهي ما بات يعرف بمحلات الصيني.
في العام الماضي كانت سلام عروساً جديدة بحسب قولها، ولأن زواجها جاء بعد فترة قصيرة من وفاة عم وعمة زوجها متأثرين بإصابتهما بفايروس كورونا، لم تقِم سلام وزوجها أياً من طقوس الاحتفال بقدوم عيد الميلاد ورأس السنة، لكنها هذا العام ترغب بأن تحيي هذه الطقوس “لتشعر أن لها بيتاً وعائلة وحياة مستقلة” بحسب تعبيرها.
وتؤكد سلام أن أكياس لف الملبس المصنوعة من الشيفون ستكون مناسبة لصنع ورد ذهبي لتزيين الشجرة اذا تم اختيار الأكياس بعناية، مضيفة أن الدارج لهذا العام هو اعتماد الاكسسوارات الكبيرة وأن موضة الطابات والأحبال التقليدية باتت قديمة.
دزينة أكياس، فرد سيليكون، صندوق أحذية كرتوني، مقص ، ورق إيفا، وكيس من الأسلاك والخيطان اللامعة المخصصة للف الحلوى والهدايا، هو كل ما سيلزم سلام بحسب وشرحها لتزيين شجرة عصرية وعلى الموضة كما وصفتها، وستخصص باقي ما رصدته من مبلغ لشراء شجرة جميلة بجودة عالية من محل متخصص بالزينة وتحضير المناسبات في أحد الأحياء الراقية من المدينة.
في جولة لتلفزيون الخبر شملت عدداً من المحال التجارية بين أحياء الأوقاف والزراعة والأميركان في مدينة اللاذقية، تراوحت الأسعار لما يتعارف على أنه شجرة نخب أول (سماكة أغصان دبل) بين ال ٣٥٠ ألف للشجرة ٢١٠سم وصولاً إلى مليون ونصف الليرة للشجرة بطول أقصر ونوعية وجودة أعلى.
تقول المسؤولة عن إحدى هذه المحال لتلفزيون الخبر، أن أكثر ما يعانون منه كباعة جملة هو نقص البضاعة أساساً، الأمر الذي جعل السمة العامة لموسم الأعياد هي غياب الإقبال على الشراء.
يعكس حديث البائعة لوحتين متضادتين، بين أسر تدخل المحل الكبير مع أطفالها وتخرج فارغة اليدين بدموع وبكاء الأولاد بعد معرفة الأسعار والكلفة الفعلية لاقتناء شجرة جديدة وزينتها، وبين عدد لا بأس به من الزبائن الذين يأتون لتجديد زينة شجراتهم وديكور منازلهم تزامناً وموسم الأعياد، ويخرجون فارغي الأيدي، أيضاً لأن البضاعة قديمة وليست “تريندي”، يقف السوريون أمام واقع الحال في شارعهم وحياتهم اليومية.
تغيب زينة الأعياد عن معظم المحال والشوارع في المدينة، ويربط محمد وهو صاحب محل متخصص ببيع الزينة بالقرب من شارع ٨ آذار الأمر بالواقع المعيشي السيء، ويؤكد أن معظم أصحاب المحال يسألون اليوم عن الديكورات الأقل كلفة ويكتفون بتزيين الواجهة البلورية بالملصقات وحبال الإضاءة.
ومع ضحكة ساخرة وهو يلف صندوق هدية كبير ملأه قبل قليل بشجرة صغيرة وزينتها مهداة من شاب يعيش في ألمانيا لخطيبته المقيمة في اللاذقية، يقول محمد أن الشاب المغترب اختار شجرة ميلاد قزمة تضيء بالبطاريات لأن نقاشهما عن شجرة كبيرة انتهى إلى عدم جدواها في ساعات انقطاع الكهرباء الطويلة.
“شو قيمتا بلا الضو!” يقول محمد لتلفزيون الخبر مؤكداً أن المنازل التي تخلو من الأطفال ليست مهتمة هذا العام بزينة الميلاد كما في الأعوام السابقة، مضيفاً “العيد للولاد .. الكبار شبعوا زينة متكهربين من الأوضاع بلا شجرة”.
تتناقص الصور المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي تعرض تحضيرات أعياد الميلاد ورأس السنة في بيوت السوريين مقارنة بالأعوام الماضية، لتعكس واقع بلاد تودع الأمهات فيها الأبناء والبنات بعد انتهاء الحرب بشكلها المتعارف عليه، لتعكس نزيفاً يومياً نحو وجهات مختلفة.
يتناقل معظم السوريين الواصلين مؤخراً الى دول إقامتهم الجديدة، أو محطات عبورهم نحو ما يأملون أنه مستقبل أفضل، صوراً لشوارع وأسواق منارة بالأضواء والكهرباء، لتعكس دهشتهم الأولى من بديهية حرموا منها مع اشتداد واقعهم المعيشي والخدمي سوءً مذكّراً بأقسى سنوات الحرب.
تكمل سلام جولتها بحثاً عن لوح من الفلين بسماكة قليلة تقول أنها ستحتاجه “لتقص عصايات الحلوى قبل تغليفها وتلوينها”، ملونة حديثها بابتسامة زادت ضيق عينيها وهي تقول ” الكاندي ستيكس كتير تريندي هالسنة ومعلومكون شجرة الكريسمس لازم تكون تريندي”.
وفي جولة سريعة على شاشة هاتفها قلبت سلام صوراً قامت بتحميلها عن مجموعات وصفحات “فيسبوك” تستعرض شجرات ميلاد وزينة مستعملة للبيع بمقاسات وجودات مختلفة، “العالم عم تبيع شجراتا”.
بعيون لامعة وحواجب ارتفعت تعبيراً عن قلة الحيلة، تقول سلام أن هدايا الميلاد تتناقص تحت شجرات الأمهات والآباء كما نقصت رسائل الأبناء في جوارب العيد المعلقة، عيون سلام عكست حزناً قفز طارئاً إلى وجهها طردته بهزتين سريعتين لرأسها.
“سأتمنى بطاقة سفر للعام الجديد أحلم أن أقضي العيد القادم في مدينة لا تنقطع فيها الكهرباء”. تختم سلام حديثها مع تلفزيون الخبر مؤكدة أنها قد لا تحتاج للفلين لصناعة عصايات الحلوى، يمكن للأوراق المطوية أن تفي بالغرض.. المهم أن تكون الشجرة عصرية وتريندي”.
تنتهي جولة سلام أمام أحد محال حي الأميركان، وتودعنا بعد أن أشارت بأصابعها عبر زجاج الواجهة إلى شجرة “العمر” كما أسمتها، وتقول أنها ستعود برفقة زوجها لشرائها مساءً مع ثلاثة جوارب حمراء لتعلقها على الحائط المجاور لتملأها برسائل الأمنيات حتى وإن كانت بحسب ما قالته “شجرة أغلى من مصروف شهرٍ على الأقل”.
فرح يوسف _ اللاذقية _ تلفزيون الخبر