حرب تشرين التحريرية….”أنشودة البندقية والقلم.. ما سرّه تشرينُ؟”
يُعرّف وِجْدَان الْمَرء بأنه مجموعة الأحاسيس والانفعالات و العواطف التي يَتَأَثَّرُ بِهِا، من عوامل إنسانية مختلفة. وللوجدان أثر كبير في حياة الفرد فهو مخزن الذكريات الذي ينحى بهِ المرء ويحدد سلوكه.
وابتداءً من منطلق الوجدان سيكون الحديث عن حرب تشرين التحريرية التي حفرت لنفسها عرش في وجدان السوريين لأن هذه الحرب كانت التجلّي الأساسي لمنطق الحق القائل ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
ورغم أن الحدث واحد وهو حرب تشرين عام 1973 إلا أن نظرة الطرفين “السوري والمصري” للاحتفال بهذه المناسبة اختلفت، ففي حين أطلقت مصر عيد القوات المسلحة المصرية على تاريخ بدء الحرب أي السادس من تشرين الأول، حيث يحتفل المصريون بذكرى عبور الجيش المصري قناة السويس، وذلك من خلال تنظيم المسيرات ورفع الأعلام المصرية.
أمّا في سوريا فيحتفى بذكرى حرب تشرين التحريرية في السادس من تشرين الأول كل عام، فهو يوم عطلة رسمية يحتفل بها الشعب والجيش حيث يقوم الجيش بعرض عسكري في ثكناته ويتحدث القادة العسكريون عن معاني هذا اليوم مؤكدين استمرار النضال حتى استعادة كامل الأراضي.
ولأن الوجدان له الأثر الأكبر بالقلم فقد كانت لحرب تشرين التحريرية حكايتها عند من تعطّر وجدانهم بحدث هزيمة “إسرائيل” حيث تحوّل البارود لحبرٍ ينقش الأدب في سفوح النفس التوّاقة للنصر على العدو الأوحد وعلى أسطورة الجيش “الإسرائيلي” الذي قيل أنه لا يُهزم.
ولعل من أجمل القصائد التي تغنت بأمجاد هذه الحرب هي قصيدة الشاعر الكبير نزار قباني “ترصيع بالذهب على سيف دمشقي” والتي ذكر بها تأثيرها على الوجدان قائلاً:
أتراها تحبني ميسون أم توهمت والنساء ظنون، جاء تشرين.. إن وجهك أحلى بكثير.. ماسرّه تشرين؟، هُزم الروم بعد سبع عجاف وتعافى “وجداننا” المطعون.
وعاد وكتب القباني نثراً يرقى لأصوات مدافع الحق في تعبير أدبي عن مناحي هذه الحرب قائلاً: “قبل السادس من تشرين 1973 كانت صورتي مشوشة وغائمة وقبيحة، كانت عيناي مغارتين تعشش فيهما الوطاويط والعناكب”.
ويتابع القباني: واليوم 6 تشرين 1973، يبدأ عمري.. واليوم فقط ذهبت إلى مديرية الأحوال المدنية، وأريتهم صك ولادتي التي حدثت في مستشفى عسكري نقال.. لا تستغربوا كلامي، وخرجت من أسنان المجنزرات السورية التي كانت تفترش الصخور في مرتفعات الجولان”.
واحتفى الأدب العربي بجميع محافله بأصوات مدافع تشرين فقال توفيق الحكيم مقولته التي أصبحت رمزاً للعبور وهي “عبرنا الهزيمة” حتى أن هذه المقولة صارت نشيداً يتغنى به العرب وقت المعارك، ومما قاله “عبرنا الهزيمة بعبورنا إلى سيناء، ومهما تكن نتيجة المعارك، فإن الأهم هي الوثبة”.
أما الروائي الكبير نجيب محفوظ فكتب: “ردت الروح بعد معاناة طعم الموت ست سنوات” ويقصد بذلك بعد نكسة حزيران، وقد لجأ إلى كتابة المقالات القصيرة المتتابعة تحت عنوان دروس تشرين.
أمّا الأديب السوري الدكتور الراحل عبد السلام العجيلي فكانت لهُ حكايته السردية التي تعبّر عن ما حُفر بوجدانه في انتصار تشرين وهي “أزاهير تشرين المدماة” حيث اعتمدت الرواية على التوثيق والسرد للحالة العميقة المُدركة لحقيقة الانتصار ورمزيته.
أمّا ابن اللواء السليب الأديب الكبير حنّا مينة فطرح الحالة الوجدانية التي تزيّنت ب “عريشة الانتصار” بكتابه “المرصد” الذي صوّر لحظة بلحظة مشهد تحرير أبطال الجيش العربي السوري لجبل الشيخ، حيث ركّز مينة على مشاعر البطولة، وعلى أهمية العزيمة في ما تحقق بتشرين.
من الوقائع المذكورة كانت حالة اندماج البندقية والقلم طريقة ترصيع بالذهب على الوجدان العربي وقيمة سردية للعزيمة والشجاعة الملهمة للانتصار على العدو ولحكاية ترويها دماء الشهداء عن الوطن وقيمة البطولة في “تعريش” الغار على الوجدان العربي.
حسن الحايك – تلفزيون الخبر