” تروح نلم نايلون وبلاستيك”.. وقود مجاني للسرطان بسبب نقص مازوت التدفئة
يعرف الكثير الجملة الأولى المذكورة في العنوان، كمزحة وفكاهة تم تداولها على “فيسبوك” مرفقة بصورة طريفة لأحد المواطنين أو الأطفال المبتسمين، في إشارة الاستسلام لواقع الحال الاقتصادي الراهن.
لكنه وفي ظل شح المحروقات ومنها مادة المازوت، وتناقص الكميات التي يحصل عليها أغلب المواطنين، فإن الكثير من الأسر الفقيرة في مختلف المحافظات، باتت تستعيض بالمخلفات الصناعية القابلة للاشتعال، كالبلاستيك والنايلون والكرتون.
” مجبر أخاك لا بطل”، فالجميع وأولهم من يجمعون هذه المواد، يدركون خطورتها على صحتهم وصحة عائلاتهم، إلا أنه لا مفر أمامهم من استخدامها كبديل مجاني عن قلة المازوت، و غلاء الحطب الذي وصل سعر الطن منه إلى نصف مليون ليرة.
في حمص، وبين شوارعها وعلى أطرافها، تجد الأطفال والرجال وحتى النساء وكبار السن، يجمعون هذه المواد من الطرقات في سلل، ويصل الأمر للبحث في حاويات القمامة_ بكل أسف_ فلا خجل أو تردد أمام برد المحافظة اللاسع الذي” ينخر العظام” حسب قول أبو شادي.
وأضاف أبو شادي، وهو رجل خمسيني، لتلفزيون الخبر” طبعا لست سعيدا بقيامي بهذا العمل، لكن ما المفر يا بني، شتاء حمص قاس جدا ً، ولا يمكن الاعتماد على المازوت الموزع بالقطارة، شو بدا تعمل ال50 أو 100 لتر” لعائلة فيها أربعة أطفال”.
وأضاف” أبحث كل يوم في الأحياء عن تلك المواد، واتنقل على ” البسكليتة” لجمع أكبر كمية ممكنة، واستخدامها في “صوبيا” الحطب التي حولتها لمحرقة بلاستيك تبعث الدفء لأولادي، رغم أنها “سم قاتل”.
مشهد نراه يوميا، أو سنعتاد رؤيته، مع اشتداد البرد، لاسيما الأطفال المنتشرون المتسربون من مدارسهم، ممن أُجبر بعضهم قسراً على ترك مقاعدهم، للبحث عن “البلاستيك” و النايلون” و”الكاوتشوك” وأي مادة مجانية قابلة للاشتعال.
أما أسعار المدافئ، فهي لاهبة حتى قبل وصول المطر والبرد، وكما حال كل مواد السوق، يتدرج سعرها حسب النوعية والمواصفات والمواد المصنوعة منها، إلا أن أقلها يصل إلى 50 ألف ليرة، لأنها مصنوعة من” التنك” بحسب أحد أهالي حي الزهراء.
وأردف أن” كل شيء سعره فيه، فيمكنك أن تجد مدافئ بمليون ليرة، وهي النوعيات الأجنبية التي تحتوي موتور” توربو” ويتسع خزانها لكميات كبيرة من المازوت، وهي لأصحاب الأموال طبعا”.
مضيفا “أما عامة الشعب تشتري الصوبيات من ماركات محلية يتراوح سعرها بين 50 إلى 100 ألف، إضافة لسعر البوري الذي يتراوح متره بين 3500و 5000 حسب نوعيته أيضا”.
حل بديل وخطير، يلجأ إليه الكثير من السكان في المحافظة، حيث يتم جمع كل ما يمكن أن تلتهمه النيران في المواقد، حتى الألبسة والأحذية و الإطارات بعد أن يتم تقطيعها إلى أجزاء صغيرة .
من ناحية طبية، أوضح الدكتور بشار حسن اختصاصي صدرية لتلفزيون الخبر أن” الابخرة والادخنة الناجمة عن حرق المواد سريعة الاشتعال، وعند خروجها من”بواري الصوبيا” إلى درجات حرارة باردة، فإنها تتحول إلى غازات سامة جزئيات صلبة تنتشر في الهواء”.
وبين” أن هذه السموم تسبب مشاكل في الجهاز التنفسي و خصوصا على الرئتين عند الأطفال، حيث أن دخول الجزيئات البلاستيكية الصلبة إلى المجرى التنفسي، سيؤدي إلى انسداد الحويصلات الهوائية في الرئتين، ولاحقا سيؤدي لحدوث حساسيةو خلل في دخول الأوكسجين إليها”.
وأشار إلى ” أن التعرض إلى هذه السموم لفترة طويلة و على المدى البعيد سوف يؤدي لحصول حالة احتشاء رئوي، ومن ثم انتفاخ وضعف في عمل الرئة، ما يكون سببا رئيسيا للإصابة بالأورام السرطانية القاتلة”.
وجراء نقص مازوت التدفئة، واقتصاره على 50 لتر فقط كدفعة اولى، دفع البعض للاستعاضة عنه بالحطب، الذي ارتفع سعره بشكل كبير يصل إلى أكثر من نصف مليون ليرة، وعدم قدرة الكثيرين على شرائه.
ولا يمكن تجاهل تراجع ساعات التغذية الكهربائية، باعتبارها مصدر تدفئة بديل، وهي التي باتت تزور منازل السكان في المحافظة ساعة واحدة تتخللها انقطاعات عديدة لتغيب 5 بعدها، وهرع المواطن لاستغلال” طلتها” بتسخين طبخة على الطباخ الإلكتروني إن وجد، أو استعمال السخانة لتوفير ما أمكن من الغاز.
أزمة المحروقات الراهنة هذه، دفعت المواطن في شتى المحافظات لابتكار وسائل وحيل بديلة عن نقص الكثير من المواد الأساسية في الحياة، في ظل واقع صعب معيشيا مع تراجع مستوى الدخل أولا، وفقدان المازوت والغاز والكهرباء ثانيا.
وكان تلفزيون الخبر في وقت سابق، سلط الضوء على حل بديل آخر في ريف حمص وموجود أيضا في أرياف المحافظات الأخرى، ما يسمى” قرفوش الجلة” وهو حل تراثي قديم، يصنع عبر جمع روث البقر أو أي حيوانات أخرى ويضاف إليها التبن ليتم بعدها صنع المادة بشكل دائري أو مستطيل واستخدامه للطهي والسلق والتدفئة”.
يشار إلى أن عودة المواطنين وتوجههم للاستعانة بطرق التدفئة هذه، يتزامن مع هذه مع تضاعف أسعار المازوت” الحر المتوفر بكثرة” والحطب في حمص كما كل المحافظات، مع وصول سعر 20 ليتر من المازوت إلى 60 ألف ليرة، مع وعود دائمة من المعنيين بتحسين واقع التدفئة دون أي بارقة أمل حتى الآن.
عمار ابراهيم _تلفزيون الخبر