وزارة الصحة تتابع سياستها “البيروقراطية” في مواجهة كورونا.. تخبط جديد ومن علينا أن نصدق؟
تقوم وسائل الإعلام المختلفة في شتى أنحاء العالم، بدور كبير ومتعاظم في التأثير على اتجاهات الرأي العام، بل تغييرها أيضاً، ودون مبالغة فهي تملك القدرة على قلب المفاهيم، وتحويل الضحية إلى مجرم والعكس صحيح، بل وتجعل “اللبن أسود”، إن صح التعبير.
كما تعد سلاحاً ناجعاً بجعبة الدول لإدارة كثير من الأزمات التي تواجهها، أزماتٌ سياسية، اقتصادية، صحية وغيرها، وذلك للتعامل معها بالطريقة المثلى وتقليل أضرارها إن وجدت، وتضخيم آثارها إن أرادت.
ومع بدء وانتشار جائحة فيروس كورونا، وظفت معظم دول العالم، بمختلف تصنيفاتها (أولى وثانية وثالثة)، الإعلام جندياً مخلصاً في استراتيجية مكافحة جائحة كورونا، وإبقاء مواطنيها بصلب ما يجري، عبر إحاطاتٍ إعلامية مكثفة ودورية، هادفةً منها لنشر الوعي بالدرجة الأولى.
ماذا عن استراتيجية وزارة الصحة السورية؟
في سوريا، يختلف الأمر قليلاً، فسرية المعلومات محتكرة على وزارة الصحة، توزع بالقطارة عبر منصاتها، وتصريحات مسؤولي الوزارة المحكومة بالبيروقراطية، والمنكهة بتبريرات” لبكرا”، لبعد بكرا، بس ليجي البريد، مشغول حالياً”، وغيرها من تجاهل وسائل الإعلام الراغبة بالحصول على المعلومة.
ورغم الجهود التي تحاول وسائل الإعلام القيام بها، مضافٌ إليها جهود ناشطين اجتماعيين، إلا أن كل شيء مرتبط بتعليمات آتية “من الوزير”، حيث يهمش دور وسائل الإعلام ويتراجع مقتصراً على تحديثات يومية ” فيسبوكية”، أو تصريح من هنا وهناك غير كافٍ لوضع المواطن بصورة الجائحة وانتشارها.
بيروقراطية متجذرة أو أسلوب مواجهة الجائحة، وبغض النظر عن المسبب، إلا أن المراقبين لطريقة تعاطي وزارة الصحة إعلامياً مع الجائحة، يرون أنها لا تختلف عن بيع الزيت والمحروقات على البطاقة الإلكترونية، كما يقول رامي وهو أحد الناشطين الإعلاميين (فضل عدم الكشف عن اسمه الكامل).
ويتابع رامي لتلفزيون الخبر”دور الإعلام أكبر من مرشد صحي، ودعايات إعلانية للوقاية، يجب أن يوظف بشكل أكبر لنشر الوعي والتحريض إيجابياً على تعميق هذا الوعي، ولن يتحقق ذلك بينما لا يسمح لوسائل الإعلام، على اختلافها بالحصول على المعلومات لتقوم بدورها، ولن تقبل بدورها أن تكون ” كالأطرش بالزفة”.
” تطنيش” المعلومات التي تطلبها وسائل الإعلام و”تدويخ الصحفيين” سيؤثر حكما على مواجهة الوباء بشكل سلبي، فالركض يومياً وراء توزع الإصابات ووضع الجائحة، لا هدف له سوى تنبيه المواطن وإحاطته بخطر ما يجري، فهذا ليس “كريب أو رشح”، بل تقف البشرية جمعاء أمام وباء سبب وفاة الملايين وما يزال مستمراً.
وفي تساؤل آخر مشروع، هل على الصحفيين والناشطين في مختلف وسائل الإعلام، أن يبقوا منتظرين آخر تحديث ينشر عبر صفحة وزارة الصحة على فيسبوك ” آخر الليل” حتى يحصلوا على معلومة ستصبح “بايتة” في اليوم التالي، بموضوع صحي لا يمكن التأخير به وكل دقيقة تعتبر مهمة.
مثال “طازج”
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن ملاحظة تأثير هذا التعتيم والاحتكار المعلوماتي، على خبر نشرته صفحة الوزارة الرسمية على “فيسبوك”، ذكرت فيها أنه” تم مؤخراً نقل ٤ حالات كوفيد ١٩ بحاجة سرير عناية من مشافي دمشق إلى مشافي حمص “.
وأضافت الوزارة أنه” تم اتخاذ الاستعدادات لنقل الحالات من مشافي اللاذقية إلى طرطوس في حال الحاجة بالتنسيق مع غرفة الطوارئ في وزارة الصحة، وبلغت نسبة الإشغال في محافظات اللاذقية ودمشق وريفها 100%”.
وفي الوقت نفسه، تواصل تلفزيون الخبر مع مدير صحة حمص الدكتور مسلم الأتاسي والذي قال إن “أي أخبار يتم تداولها عن استقبال مرضى كورونا من محافظة دمشق في مشافي محافظة حمص عارٍ عن الصحة ولا أساس له والمصدر الرسمي لأي خبر هو الموقع الرسمي لوزارة الصحة”.
وكتوقع لوجود خطأ أو تأخر في وصول المعلومات ورغبة في التأكد، عاود تلفزيون الخبر الإتصال في اليوم التالي مع الدكتور “الأتاسي”، حيث أكد مرة أخرى أنه “حتى الآن لم يتم استقبال أي مريض من دمشق في مشافي حمص، وأن ما يتم الحديث عنه هو احتمال التوجه لهذا الإجراء”.
وأضاف”أن الأخ يلجأ لأخيه عند الحاجة، ومحافظة دمشق ستلجأ لمشافي حمص” جارتها” عند حاجتها، ويظهر أنه حتى الآن لم “تنزنق” دمشق، وبالتالي لم تحول أي حالة حتى الآن ونأمل إلا يحصل ذلك مستقبلاً”.
كما أكد على أن” الوضع الصحي في محافظة حمص تحت السيطرة والمشافي مجهزة بشكل كامل كما نقوم بجولات متابعة يومية على مختلف المشافي”.
تخبط واضح حول الجهة الواجب تصديقها والإحتكام لمعلوماتها، الصفحة الرسمية لوزارة الصحة أم مدير صحة ينفي ذلك، ضياع يشكل بيئة خصبة لانتشار الشائعات يميناً ويساراً، يمكن تجنبه بجعل تناول المعلومات أكثر مرونة وفق توجيهات أعلى الجهات في الدولة السورية.
ممارسات الوزارة “استراتيجية” تنتهجها
وفي وقت سابق_ ولنكون أكثر دقة_في فترة ما قبل ارتفاع الإصابات ووصولها إلى الذروة الحالية، حاول مراسلو تلفزيون الخبر في المحافظات، على مدى أسبوع كامل، الحصول على تصريحات من مديريات الصحة في أماكن عملهم، واصطدمت محاولاتهم برد واحد “وزارة الصحة مانعة أي تصريح صحفي إلا من خلالها”.
كما تم التواصل لاحقاً مع مدير المكتب الصحفي في الوزارة لحل المشكلة وأخذ تصريحات مركزية من الوزارة، وقال إنه سيقدم طلباً للوزير، ليعطي، في حال موافقته طبعاً، إيعازاً لأحد المعنيين بالوزارة بالإجابة على أسئلتنا.
وتم الانتظار لمدى خمسة أيام “على اليوم وبوكرة” وطلع البريد وما نزل البريدّ دون جدوى .
وتتبع وزارة الصحة” بروتوكول” خاص بها، حيث تكتفي بنشر إحصائيات على صفحتها الرسمية على “فيسبوك”، غير مكترثة بأن للمواطنين أسئلة واستفسارات وتوضيحات غير ما تمليها عليهم.
الجدير بالذكر أن آخر تحديث لعدد الإصابات في البلاد، وبحسب البيان اليومي الدي ينشر على صفحة الوزارة عبر فيسبوك، بين أن عدد مجمل الإصابات التي سجلت ليوم الأحد ٢٦ أيلول بلغ ٣٩٣ إصابة ما يرفع العددالإجمالي إلى ٣٢٩٧٣، نالت محافظة اللاذقية النصيب الأكبر منها ب195 إصابة.
يذكر أن الرئيس الدكتور بشار الأسد قال في كلمته التوجيهية للحكومة الجديدة “اتمنى ان يكون هناك استجابة لكل متطلبات الإعلام بالمعلومة بالتصريح بالبيان ومن غير الكاف أن نقوم بعمل دون أن نشرح هذا العمل”.
عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر