المقشاتي والإسكافي والخياط .. مهن طحنتها الحرب في سوريا
شاخت مهن (المقشاتي والإسكافي والخياط) وغيرها الكثير من المهن البسيطة, ولم يعد بمقدور أصحابها الاعتماد عليها لتأمين مصدر دخل ربما لا يُسمن ولا يُغني من جوع وهم من الذين يستقدمون رزقهم ” كل يوم بيومه” بخضم الظروف الاقتصادية المتردية التي تعاني منها البلاد.
ضمن حانوت يكاد يسمح للأخوين قضماني بالتحرك ضمنه, بشارع الأولياء في منطقة المهاجرين بدمشق, يربت السبعيني أبو زياد بيده اليسرى على كتف شقيقه الذي يصغره بعقد.
ولا تفارق الرجلان الابتسامة بتحد يكاد يخرج من عينيهما بمحاولة منهما للحفاظ على مهنتهما من الموت “تصليح وصناعة الكراسي” أو ما تُعرف محلياً بمهنة “مقشاشاتي” التي امتهناها منذ أكثر من ستة عقود.
ويقول محمد القضماني لتلفزيون الخبر” لو ما بحب هل مهنة كنت بدلتها من زمان”.
ويتابع حديثه مع تلفزيون الخبر: ” تعلمنا هل مهنة عن جدودنا ربونا عليها وأكلنا من خيراتها بس اليوم ما عادت توفي معنا”.
ويقاطع السيد عصام حديث شقيقه مستكملاً الحديث: ” مهنتنا تعتبر حالياً من المهن الثانوية لأن ما عاد حدا يستخدم الكراسي يلي نصنعها”.
ويضيف لتلفزيون الخبر: “قبل الحرب كان الناس يشترون هذه الكراسي لإهدائها للعرسان في منزلهم الجديد أو لاقتنائها في المنزل أما اليوم صار شغلنا على الطلب بس”.
ويستأنف أبو محمد حديثه، بعد أن نفث دخان سيجارته الحمراء الطويلة “قبل عشر سنوات من الآن كان طقم الكراسي(12) كرسي يكلف تقريباً 15 ألف ل.س، بينما اليوم الكرسي الواحد يكلف 150 ألف ل.س) منوهاً أنها قليلة جداً لأن المعامل توقفت عن صنعها.
ويتفق الأخوان أن الأسعار أصبحت “خيالية جداً”، ويشير إلى أن مهنتهما معرضة للاندثار، وينوه أبو محمد “عصام” أن أبنائه وأحفاده رفضوا تعلمهما كونها مهنة “بهل ظرف ما بتطعمي خبز”.
وعلى بعد 500م من محل الأخوين قضماني باتجاه منطقة سوق الجمعة بحي الشيخ محي الدين، ينظر الستيني أسامة دريقي من نافذة محله لحركة السوق منتظراً أن يطرق بابه أحد لتصليح جهاز هاتف منزلي.
ويعمل الرجل مهندساً إضافة لعمله في تصليح الهواتف المنزلية متخذاً منها مصدر رزق إضافي منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
ويشرح الرجل لتلفزيون الخبر حول اختلاف أسعار قطع التصليح اليوم وقبل سنوات الحرب ويضرب مثالاً عن قطعة “الريكوردر ” أنها كانت ب25 ل.س بينما اليوم 700ل.س وذلك تبعاً لنوعية القطعة.
وينوه الرجل أن “أغلب الهواتف التي تُباع في السوق ذات نوعية سيئة وتحتاج للجنة كشف قبل استيرادها”.
ويلفت إلى أن الطلب على التصليح بات نادراً بسبب احتلال الهواتف المحمولة حسب وصفه لمكان الهواتف المنزلية.
وحول الزمن وزوابع الغبار ورشة عائلة “كوارى” إلى الرمادي الداكن، يستمر الرجل الستيني يحيى كوارى بعمله فيه منذ أكثر ثلاثة عقود، عائلة “كوارى” امتهنت مهنة “الاسكافي ” من الأجداد والآباء والأبناء.
يخبر الرجل تلفزيون الخبر أنه يتخذ من مقولة :”عجبت لمن جمع المال والموت طالبه وعجبت لمن بنى القصور والقبر مسكنه” شعاراً له في عمله، المقولة التي زينت الحائط المقابل لجلوسه أمام آلة خياطة الأحذية.
ويقول الرجل: “استمريت في المهنة للحفاظ على سمعة عائلتنا التي توارثت المهنة , ويصف كوارى حال مهنة الاسكافي في هذه الأيام أنها ما ” ما بتوفي”.
ويردف: “شغلنا على مبدأ خدمتنا بلقمتنا”، ويتابع “هناك فرق كبير بالأسعر كنا نتقاضى مبلغ 15ل.س على خياطة أي حذاء بينما اليوم نأخذ 2000ل.س بسبب غلاء أسعار الخيوط وغيرها من مستلزمات العمل من زيت تحتاجه الآلة يبلغ ثمنه 18 ألف ل.س”.
على بعد خطوات قليلة من محل أبو زياد، يجلس محمد الأبرش، مرتدياً نظارته وراء طاولة خشبية ثُبتت عليها آلة الخياطة التي رافقته منذ عقده الأول عندما تعلم مبادئ مهنة الخياطة، يتثبت الرجل بدقة متناهية قطعة قماش محاولاً إصلاحها.
ويحتفظ الأبرش بآلة “درز” قديمة من طراز عفا عليه الزمن في محله، يعود الرجل بذاكرته لعقد ما قبل الحرب ويحكي لتلفزيون الخبر أن ما قبل الحرب كانوا طلاب معهد ابو النور وخاصة الأجانب يأتون إلينا لتصليح ثيابهم.
ويردف “حتى الخياطة كانت تقصير البنطال يكلف ما يقارب ال50ل.س كنا نقول لهم أي دولار واحد بحكم أنهم لا يعرفون عملتنا بينما أصبحنا اليوم نأخذ 1000ل.س.
مشيراً إلى أنه في هذه الأيام بسبب انقطاع الكهرباء وغلاء متطلبات مهنة الخياطة من خيوط وأبر ,ينهي السيد حديثه مع تلفزيون بقوله : “صفت مهنتنا إذا ما اشتغلنا ماحنعيش”.
صفاء صلال – تلفزيون الخبر