أزمة المياه المعدنية في سوريا..أسئلة “بريئة” وتخبطات “غريبة”
تعاني سوريا عموما من أزمة مياه، سواء في المياه الواردة للمنازل وخزاناتها، أو المياه المعدنية المعبأة في عبوات، والواردة من ينابيع وأنهار البلاد.
وتشهد سوريا أزمة غير مسبوقة في توافرية المياه المعدنية، ما ولد مشكلتين رئيسيتين، تتعلق أولاهما بفقدان المادة من الأسواق، وثانيهما ببلوغ سعر العبوات مستويات قياسية في السوق السوداء.
وخلال الأسبوع الفائت عملت الحكومة عبر أجهزتها المختلفة على محاولة ضبط عملية التوزيع، وكان القرار بحصر بيع تلك العبوات الواردة من مصانع “دريكيش، الفيجة، بقين، والسن”، في صالات السورية للتجارة، وعبر منافذ بيعها.
واعترض خطة التوزيع، عدة عقبات مختلفة، فكثيرا ما كان يصل المواطن للمؤسسة طمعا بشراء بعض المياه بسعرها الرسمي، كي لا “يتخورف بالسوق السودا”، ليجد “المي مقطوعة يا أفندي”، ولا توافرية للجعبات.
وكانت آلية التوزيع تقتضي حصول كل مواطن راغب بشراء مياه معدنية من المؤسسة، على جعبة واحدة فقط يوميا بالسعر الرسمي، دون وجود آلية واضحة لضبط ذلك التقنين، إذ من الممكن لأي مواطن، أن يشتري جعبتين باليوم، وكل واحدة من صالة مختلفة، و”لا من شاف ولا دري”.
وحتى في المؤسسة، رصد تلفزيون الخبر، عدة حالات بيع بسعر زائد، تحدث عنها مشترون، قالو أنهم حصلوا على الجعبة بسعر 3500 ل.س، أي بزيادة 350 ليرة عن السعر الرسمي، مايطرح سؤالا هنا، هو كيف تخالف صالة رسمية، قانونا رسميا، بمنع البيع بسعر زائد، وإذا “النجار باب بيتو مخلع”، فكيف سيكون الحال لدى الأكشاك والمحال؟
وكانت المؤسسة السورية للتجارة أقدمت على التدخل الإيجابي في السوق، وحصر البيع بصالاتها بالسعر الرسمي، لمنع احتكار المادة من قبل بعض التجار، الذين يشترون الجعب بسعر منخفض بالمعمل، ويبيعونها للتجار والمحال، بثلاثة أو أربعة اضعاف سعرها الرسمي.
وبلغت نسبة الاحتكار بحسب أحد التجار 90 %من منتجات المعامل، مقابل 10% للوكلاء المعتمدين، أي أنه وحسب كلام التاجر، فإن 90% من منتجات المعامل في السوق، كانت تباع بأسعار فلكية، مقارنة بالسعر الرسمي.
ورغم ذلك، أعلن وزير الصناعة زياد صباغ، بحسب صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، عودة توزيع مياه المعامل الأربعة، للوكلاء، والتراجع عن حصر التوزيع بالسورية للتجارة، بعد قرابة أسبوع من تطبيق الفكرة.
وتساءل سوريون هنا عن مدى نفوذ وقوة المحتكرين، ليبطلوا مفعول قرار لم يتجاوز عمره الأسبوع الواحد، متسائلين: “هل قرار عودة المياه لوكلائها، جاء لتيسير أمور هؤلاء المحتكرين، الذين تضررت مصالحهم، بسبب استحواذ المؤسسة على الإنتاج، أو معظمه؟”.
وبحسب الوزير فإن:” السورية للتجارة لم تتمكن من إيصال المياه إلى كل المناطق، وقررنا العودة للوكلاء بهدف تحقيق اكبر كمية توزيع أفقي للمنتج” كاشفا أن “إعادة تسليم الوكلاء ستكون فقط للمناطق التي لا تصلها سيارات السورية للتجارة أو لا يوجد فيها منافذ للسورية للتجارة”.
ويحضر هنا سؤال، لماذا لم تلحظ الوزارة عدم قدرة السورية للتجارة على تغطية السوق بشكل كامل، قبل اتخاذ قرار بتسليمها كامل منتجات المعامل الأربعة، لتباع حصرا في صالاتها، وكيف اكتشفت ذلك الأمر، بعد أسبوع واحد من القرار؟
وطالما أن اكتشاف مقدرات المؤسسة سهل لدرجة أنه احتاج أسبوعا واحدا ليظهر للوزارة، فلماذا لم يلحظ الأمر بعين الاعتبار قبل قرار الحصر، ولماذا ظهر القرار بشكل بدى أنه اعتباطي؟
وطالما تقول ريم حللي المدير العام لمؤسسة الصناعات الغذائية “للوطن”، بأن “القرار كان مجرد فركة إدن للمحتكرين”، أي أنه من الأساس مؤقت، وسيتم التراجع عنه، فلماذا تعود لتبرر قرارها الجديد ب” عجز السورية للتجارة عن إيصال هذا المنتج إلى جميع المستهلكين سواء البيع بالجملة أم نصف الجملة”.؟
والملفت، إعلان مدير السورية للتجارة عبر “الوطن”، أن “المؤسسة لم تدع إلى الاجتماع الذي عقد في مؤسسة الصناعات الغذائية لبحث موضوع إعادة التوزيع للوكلاء، لأن هناك رغبة لدى شركة المياه بإعادة تسليم الوكلاء”.
وتابع نجم: “رغم الإعلان عن حصرية تسليم المياه للسورية للتجارة والاجتماعية العسكرية، لكن لم يتم الالتزام بذلك واستمرت عمليات تسليم الوكلاء”.
وأكمل نجم: “بالتزامن مع تسليم الوكلاء، لم تلتزم معامل تعبئة المياه بتسليم ما تطلبه فروع السورية للتجارة، حيث كانت ترسل سيارات المؤسسة إلى المعامل، ولا يتم تعبئتها بالمياه بحجج عدة غير مقنعة “.
ويطرح سؤال هنا، كيف واصل الوكلاء عملية استلام المياه من المعامل، رغم صدور قرار يمنعهم من ذلك، وأين اختفت العبوات التي حصلوا عليها، في وقت بات فيه الحصول على “لبن العصفور”، أهون من الوصول لعبوة مياه في المحال والأكشاك.
وليس أدل على عمق الأزمة، مما رصد الأسبوع الفائت، من بيع للمياه “بالكاسة”، في بعض الأكشاك، أو من دخول عبوات المياه اللبنانية للسوق السورية، وذلك بسبب فقدان توافرية منتجات المعامل الأربعة، من المياه المعدنية.
كما يمكن للتجارة الداخلية وحماية المستهلك إيقاف كل الصراع السابق على “نهش المواطن” من خلال القيام بواجباتها، وضبط السوق، وحينها يتم وضع حد للمتاجرين والأرباح الفاحشة، وينتفي سبب كل هذا الصراع.
يذكر أن سعر العبوة مثلا من سعر ليتر ونصف، من المياه المعدنية، من صنف دريكيش، كان يبلغ رسميا 525 ل.س، ولكن وصل في السوق السوداء هذا الصيف إلى أسعار قياسية، ناهزت ما بين 1300 إلى 2000 ليرة للعبوة.
تلفزيون الخبر