بقدمين من أمل.. “رهف العيد” تقف على أبواب التخرج
لم تكن الشابة رهف العيد تعلم في سنوات الصبا ما ينتظرها ذات يوم في حمص، بعد مشيها وانتظارها الحافلة التي ستقلها إلى وجهتها.
وتروي ابنة مدينة حمص لتلفزيون الخبر ما حدث معها يوم إصابتها قائلة “أكره بطبعي الوقوف والانتظار، وعندما وصلت الحافلة بالكاد وجدت مكان أجلس فيه وجلست، وطال الجلوس كل حياتي فيما بعد”.
“وعندما نزلت من الحافلة أمام مجموعة أولاد يلعبون كرة القدم أمام المارة، مرروا لي الكرة فابتسمت وركلتها باتجاههم وابتسموا لي فشعرت أن روحي شحنت بالطاقة الإيجابية “.
“عندها استدرت لأكمل طريقي، وبثانية واحدة رأيت الجحيم بأم عينه عندما وقع ذاك الانفجار العظيم الذي ولّد حزنا لا متناهياً في حياتي”.
وتتابع رهف “أصبت بتفجير في حمص عندما كان عمري 17 عاما، وأدى ذلك لبتر رجْلي الإثنتين، وتغيرت حياتي بشكل كامل مع هذا التفجير”.
” كنت خلال الفترة تلك، كأي فتاة بسيطة نجحت في الشهادة الثانوية العامة، و تعيش حياة بسيطة محدودة الحلم وفي الوقت نفسه لا متناهية السعادة”.
وبلحظة تأمل تصف رهف ما شعرت به “بعد هذا الانفجار، ودّعت نصف جسدي، واستقبلت بدلاً عنه أوجاع العالم، و كل من جاء قاصداً مواساتي، واسيته أنا لفظاظة المشهد الذي رآه مني دون قصد، لأنه رأى صورة من خلالي عن مأساة حقيقية مؤلمة”.
وتتابع رهف “اكتشفت لاحقا أن المعاناة الحقيقية هي ليست إصابتي، بل طريقة التعامل معي، حيث تهافتت علي الكاميرات ، ومدّعي الإنسانية وبعض الدول، وما يؤلمني أنهم جميعا عجزوا عن جعلي أنتظر حافلة وأقف على رجلي مجددا”.
“لكن لا بأس، سأقوم أنا، بزراعة أقدام كثيرة، تجري في سبيل تحقيق حلمي، فأصبحت طالبة جامعية تقف اليوم على أبواب التخرج”.
ولم تخفِ رهف بعض لحظات الانكسار التي مرت بها وقالت “تكوّرت على نفسي، كرهت مستقبلي، و بدأت خيوط الاكتئاب تتسلل إلى ذاتي، قبّحت كل جميل ، وطليت كل بياض بالأسود.
وتساءلت لماذا أعيش؟ كيف أؤمن أن مستقبلي مرشدة نفسية وأنا لا أعلم كيف أداوي نفسي”.
وتابعت: زحف بصيص من الأمل تجاهي، وصلتني دعوة لبلد أجنبية، قالوا لي بأنني سأعود لبلدي مشياً على أقدام مستعارة ، لكن و بعد عدة محاولات فاشلة، لم يستطيعوا سوى زراعة شيء بنفسي، هو الأمل بمتابعة الحياة.
على كرسيها المتحرك وابتسامتها الجميلة، تابعت رهف مسيرة علمها بخطوات ثابتة لم يستطع التفجير بترها، بل كان إصرارها هو منبع القوة والإرادة والثقة للتقدم للامتحان تلو الآخر موجهة عدة رسائل للناس الأصحاء والجرحى على حد سواء.
تقول رهف: لا أنكر حدوث فرق في حياتي بعد الاصابة، لكنني أردت إثبات وجودي حتى وإن فقدت رجلي و قدمي أو حتى بصري، فقررت الاستمرار بمسيرتي العلمية حتى النهاية.
” حيث كنت قد بقيت خلال الفترة الأولى في الفراش أعاني الألم نتيجة الإصابة، لكنني قررت النهوض والبدء بالدراسة حتى دخلت الجامعة فرع الارشاد النفسي، وها قد مضت السنة تلو الأخرى لأقف اليوم على أبواب التخرج”.
وعن زيارتها لمدرستها الثانوية تقول رهف: “أردت توجيه رسالة للطلاب في حمص وكل المحافظات، أن الإصابة لا تمنع من إكمال العلم والتعلم وتحقيق الأهداف مهما كان يبدو مستحيلا”.
“وقد سررت جدا بهذه الزيارة وعادت بي الذكريات لما قبل إصابتي، وقد وجدت ترحيبا كبيرا من الطالبات وآمل أن تكون رسالتي قد وصلت لهم”.
وتضيف:” أحب آلة العود كثيرا، لذلك فقد انضممت إلى فرقة استديو جريح وتعلمت العزف عليه، وقمت بأداء العديد من الأغاني كما شاركت بالعديد من الفعاليات الاجتماعية”.
وعن نظرة المجتمع تقول رهف: “أدرك تماما كل التساؤلات التي تخطر ببال من يشاهد أي جريح عن كيفية ممارسته حياته وابتسامه رغم جلوسه على كرسي متحرك أو تركيبه أطراف صناعية، وأقول إن الكرسي يصبح جزءاً من الجريح ووسيلته على التحرك وتحقيق الأهداف وليس عائقا أو عيبا”.
وتضيف رهف مازحة” لم تؤثر الإصابة في نظرتي للحياة، وكل ما تغير هو صعوبة وصولي للأماكن المرتفعة فقد كان طولي170سم قبل الإصابة وهذا فقط ما تغير فقط”.
وتتحدث عن حياتها الجامعية قائلة:” واجهت بعض الأسئلة المحبطة من طالبات عن صعوبة المتابعة في الجامعة بهذا الوضع الصحي، لكنني لم أعرْهم أي انتباه لأن هدفي كان واضحا أمامي وهو الحصول على الشهادة الجامعية كأي طالب”.
“فقد يكون الطالب الجامعي لا يعاني من أي مشكلة جسدية لكنه يفتقر للعقل والاهتمام، وهذا الأمر أصعب برأيي من الإصابة الجسدية، فالعلم لا يقف عند اليد أو الرجل أو النظر بل على طموح وإصرار الإنسان”.
وختمت رهف بتوجيه رسالة عبر تلفزيون الخبر للجرحى وكل الناس بشكل عام أنه” لا يجب البحث عن النقص عند أي انسان والتوقف عنده، بل عليه تعويض هذا النقص بكل ما أوتي من قوة وإصرار وأتمنى التوفيق لكل الطلاب في دراستهم وحياتهم”.
عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر_ حمص