“سلاماً أيها الولدُ الطليق” .. وفاة الشاعر العراقي سعدي يوسف عن عمر 87 عاماً
“سأرحلُ في قطارِ الفجرِ..شَعري يموجُ وريشُ قُـبَّـعَـتي رقيقُ
تناديني السماءُ لها بُروقٌ ويدفعُني السبيلُ بهِ عُـــروقُ.. سأرحلُ..إنّ مُقتـبَــلِـي الطريقُ.. سلاماً أيها الولدُ الطليقُ..
حقائبُكَ الروائحُ والرحيقُ..ترى الأشجارَ عندَ الفجرِ زُرقــاً
وتلقى الطيرَ قبلكَ يستفيقُ”.
توفي الشاعر العراقي سعدي يوسف عن عمر يناهز الـ 87 عاما، بعد معاناة لسنوات مع مرض عضال في العاصمة البريطانية، لندن.
ويعد سعدي يوسف أحد كبار الشعراء في العالم العربي خلال العقود الخمس الماضية وأحد أبرز الأصوات الشعرية في عالم الشعر من حيث التجربة الشعرية وغزارة الإنتاج.
وينتمي سعدي يوسف إلى موجة الشعراء العراقيين التي برزت في أواسط القرن الماضي، وجاءت مباشرة بعد جيل رواد ما عرف بالشعر الحر أو التفعيلة، الذي أطلق على رواد تحديث القصيدة العربية من أمثال نازك الملائكة وبدر شاكر السياب.
تعرض سعدي يوسف مثل كثير من الكتاب والشعراء العراقيين للسجن بسبب مواقفه السياسية واضطر إلى الهجرة من بلده ليعيش في المنافي والغربة.
وذهب “يوسف” إلى طهران ودمشق ثم إلى الجزائر حيث أقام لسنوات قبل أن يعود الى وطنه بعد انقلاب البعث الثاني في تموز 1968.
وفي غربته الثانية، تنقّل سعدي بين مدن كثيرة مثل بلغراد، نيقوسيا، باريس، بيروت، دمشق، وعدن، ليستقر أخيراً في لندن، ويحصل على الجنسية البريطانية.
لم يخرج “يوسف” عن مسار معظم الشعراء العراقيين الكبار، أمثال: محمد مهدي الجواهري، بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي، نازك الملائكة، من خلال أسر المنفى لهم وصيرورة الوطن مصدر شعري وإلهام خاص.
سعدي يوسف الذي ولد عام 1934، في بلدة “أبي الخصيب” بالبصرة في جنوب العراق، أكمل دراسته الثانوية في البصرة،
وحصل على إجازة في آداب اللغة العربية وعمل في التدريس والصحافة الثقافية، “وتنقّل بين بلدان شتّى، عربية وغربية، شهد حروباً، وحروباً أهلية.
نال جائزة “يوسف، سلطان العويس، والجائزة الايطالية العالمية، وجائزة (كافافي) من الجمعية الهلّينية، وفي العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ، ويقيم الشاعر منذ عام 1999 في بريطانيا.
يقارب عدد دواوينه الشعرية التي نشرها 43 ديواناً على مدار سبعة عقود من الزمن، كان أولهم “القرصان” عام 1952 وآخرهم “في البراري حيث البرق” عام 2010 مروراً بـ “الأخضر بن يوسف ومشاغله” و “الشيوعيّ الأخير يدخل الجنّة”.
كما نشر عشرة كتب ضمت تراجم لأشعار كبار الشعراء العالميين، أمثال (والت ويتمان ولوركا وكافافي ويانيس ريتسوس)، كما ترجم نحو 12 رواية لكبار الروائيين الأجانب مثل (النيجيري وولي سوينكا والإنكليزي جورج أورويل والياباني كينزابورو أوي).
كما كتب سعدي يوسف رواية تحت عنوان “مثلث الدائرة” ومسرحية “عندنا في الأعالي” ومجموعة قصصية قصيرة بعنوان “نافذة في المنزل المغربي” إضافة الى عدد من اليوميات والنصوص السياسية والأدبية مثل “يوميات الأذى” و “يوميات ما بعد الأذى”.
ونعى المترجم العراقي المقيم في سوريا “محمد مظلوم” الشاعر الراحل حيث كتب: “أيها الموت لا تفتخر..وسلاماً أيها الولد الطليقُ، نيابةً عن أُسرة الشاعر ابنتيه: مريم وشيراز، وحفيداته نادية ونادين وماركيتا، وزوجته السيدة إقبال محمد علي كاظم. أنعى لكم سعدي يوسف”
وأضاف “أنعى لكم أحد العقول الكبرى في الثقافة العربية، وضميراً شعرياً تبنى طيلة مسيرته موقفاً أخلاقياً جذرياً لا مساومة فيه للقضايا الإنسانية العادلة على مدى ستة عقود ومن بينها موقفه من الاحتلال الأمريكي لبلاده وهو الموقف الذي دفع لأجله أفدح الأثمان وتحمل حملات التشنيع والتشويه بصبر الأنبياء وبسالة الفرسان”.
تلفزيون الخبر