أبو نمير.. من الزراعة إلى الدلعونا والميجانا
على زاويةٍ من الرصيف في الشارع الخلفي المحاذي لدوار الزراعة في اللاذقية، يجلس أبو نمير يحتضن نايه بيديه، يُعرف بهندامه الصيفي المكوَّن من قميص كحلي اللون و “شملة” بيضاء وقبعة تقيه أشعة الشمس وبنطال جينز من المحتمل أن يكون لأحد أبنائه الذين تجاوز عددهم العشرة.
تجذب ألحان الناي التي أصبحت رفيقة أبو نمير مؤخراََ ، المارة في الشارع المزدحم وكأنه بمدينة ميلانو في إيطاليا، بمحاولة منه لطرق أبواب رزقه، عن طريق توقف أحدهم أمامه لبضع دقائق، يضع “اللي بيطلع من خاطرو” بصندوق مصنوع يدوياََ من الكرتون فيه عدة نايات من القصب، موضوع أمامه، يبتسم ويكمل طريقه.
يلف أبو نمير سيكارته من الدخان العربي بإتقان، ويقول لتلفزيون الخبر: بدأت العزف على الناي منذ عدة سنوات، بعد أن أصبح العمل بالزراعة مجهداََ لجسدي، بسبب التعب الذي يسببه لي، أصبحت بحيطان الخامسة والسبعين، وبدنا نعيش والحمدلله “مستورة”.
الرجل الذي أصبح مؤخراََ كثير التواجد شتاءََ في مطاعم “راس شمرة” ذات الطابع الشرقي ببدلته “السفاري” القريبة من اللون الأبيض، يقول: أتوجه للمطاعم، ففيها أعداداََ كبيرةََ من الناس، أتنقل بين الطاولات التي يجلس حولها العشاق والعائلات وأصحاب الكاس، أعزف الدلعونا واللالا والميجانا، أحياناََ وإن خرجت بلا أية قطعة نقود فالموسيقا كفيلة بمنحي شعور السعادة.
أبو نمير الذي لا علم له بالمقامات الموسيقية الشرقية يشرح عن آلته بأنها من نبات القصب البري وهي عبارة عن قصبة جوفاء، فيها ستة ثقوب على استقامة واحدة، وثقب واحد من الخلف لإصبع الإبهام.
العم “عز الدين” الذي شجعه أبناؤه وبناته وأحفاده على موهبته، يشرح لتلفزيون الخبر عن طريقة عزفه قائلا: أضع الآلة على جانب الفم وأنفخ الهواء، وعلى حسب قوة النفخ أتحكم بطبقة الصوت للنغمات، وعند إغلاقي لأحد الثقوب يتغير الصوت تلقائياً.
لم يخلُ فرح “عرس” في القرى من وجود الناي والطبل فيه، كانت الأغاني المعروفة تدور حول المحبوب واللقى والفراق.
يسمعني أبو نمير مقطوعة موسيقية بعنوان الدلعونا لعدة دقائق، ويقول: كان الكبار في السن في قريتي يقولون أن الدلعونا سميت بهذا الاسم بسبب شاب أحب فتاة كان اسمها عناة وعندما انفصلا صار “يدور من مكان لمكان ويغني دلوني على عناة دلوني” ومن كثرة مانادى باسمها سمي دلعونا.
ويختم أبو نمير قائلا :على دلعونا على دلعونا راحوا الحبايب ما ودعونا .. لصبغ سناني بلون النيلي وابكي عليهم طول السنينا… لولا الناي ما رجعت لطفولتي .. لما بعزف .. برجع طفل وإيدي بإيد أمي .. رح ضل غني وأعزف لروح من الدنيا فالغنى سر الوجود..
شذى يوسف – تلفزيون الخبر – اللاذقية