العرس السوري الفلكلوري: من الحنّاء إلى الحمام إلى العراضة.. “الله يعينو عهالليلة”
لا يزال أهالي بعض القرى السورية يحرصون على إقامة العرس التراثي (الفلكلوري) السوري، وفاء لذكرى الأجداد وإحياء لعاداتهم الشعبية القديمة إلا أن هذا الفلكلور يتجه للاندثار رويدا رويدا مع تغير العادات وتماشيا مع متطلبات هذا العصر.
ويحكي الباحث الأكاديمي عباس سليمان لتلفزيون الخبر تفاصيل العرس الشعبي واختلافه بين المدن السورية وتغيره مع السنين قائلا “تختلف عادات العرس قديما بين المحافظات السورية نسبة للمنطقة و اللهجة”.
ويتابع سليمان “ولكن تتفق جميعها بالعراضة و حمّام السوق و غيرها من التراث الشفاهي الموروث، وبقيت هذه العادات حتى اليوم لكن بشكل نادر”.
ويضيف سليمان: “حاليا بقي في بعض المحافظات ما يسمّى بالمولِد حيث يتم الاحتفال بالعريس من قبل أصدقاءه في إحدى الصالات و تُضرب “المزاهر” و هي آلات ايقاعية بالاضافة لبعض الآلات الموسيقية”.
و تحدّث سليمان عن عرس “مولِد” حصل منذ فترة في محافظة حمص و قام المغنّي بإنشاد: يا صلاة الزين، يا صلاة الزين على سوريا يا صلاة الزين، ثم تابع المغنّي بذات الأغنية : يا مدّاحين فيردد الحضور: هيه ، ثم أكمل المغنّي: ادعو لسوريا يردّ السلام”، و أردف سليمان “هذا هو العرس الذي ننتظره جميعاً”.
العراضة والرديّات
مدير و مدرّب فرقة “الفادي” لإحياء التراث الشعبي في حمص ماهر الأخرس يقول لتلفزيون الخبر: إن “الردّيات التي نقولها بالعراضة الشعبية تثبت قِدم العادات الفلكلورية و تنقّلها بشكل شفاهي عبر التاريخ”.
ويردف “مثل الردّية التي تقول: “يا عريس كتّر ملبّس، على عدد لمعات المحبس” هذا يدل على عادة لبس المحابس بين العريسين منذ القِدم”.
و يتابع الأخرس: و مثال أيضا على عادة وضع الحناء التي هي رمز للانتصار حيث نقول في العراضة ردّية: “جابولنا الحنّا من خوفهم منّا”.
و شرح الأخرس لتلفزيون الخبر مراحل العرس سابقا: “كان يجتمع شباب الحارة و الأصدقاء مع العريس في حمّام السوق قبل العرس في جوّ مليء بالمرح و ينكزونه بالدبابيس كدلالة لانتقاله لحياة جديدة فيها الحلو و المر”.
ويتابع “أثناء هذه المرحلة كان يُقال (شنكليلي شنكليلي، الله يعينوا عهالليلة، بهالليلة صرلوا عيلة)، خاصة أنه سيحصل على دفتر عائلة و بطاقة ذكية بالعصر الحالي”.
ويضيف الأخرس: “بعد الحمّام يأتي دور الحلاقة فيقول الأصدقاء ردّية (يا حلّاق حلقلوا زين، رشّلوا العطر شكلين)، و بعدها يتم الباسه ثوب العرس و يتم ترديد (هاتولي الحطاطة ناصع بياضا، و خلّولي العراضة تلعب حواليه)و بعدها يتم أخذ العريس إلى منزل العروس”.
ويتابع الأخرس: بالنسبة للعروس يتم تجهيزها ما قبل يوم الزفاف المعروف بيوم “الحنّة” حيث تجتمع قريبات العروس و صديقاتها و تُجبل الحنّاء و يُرسم بها على أيادي العروس مع ذكر بعض الردّيات الهدف منها إشعال عواطف العروس مثل (جينا نحنّي ديّاتا، زلغطوا يا خيّاتا).
و أكمل الأخرس: في اليوم الثاني بعد حمّام العريس وتلبيسه وحلاقته يؤخذ بموكب يتضمّن جاهات الحارة و الأقرباء و الأصدقاء الذين يبدأون “العراضة” بما يسمى “المحوربة”.
حيث يتحمّس الموجودون بمشاهدة اللعب بالسيف والترس أمام منزل العروس و يتم ذكر ما يُسمى “العدّاويات” التي يُذكر بها بعض العراضات المتوارثة عن قصص قديمة”.
ويضيف الأخرس “ومثال عن ذلك قصّة سورية قديمة تؤكد ارتباط العروس بعائلتها تحكي عن صبية فائقة الجمال اسمها نايفة عندما أتى عريسها و معه “الهودج” أو الجمل لأخذها رفضت و اشترطت أن يقوم أبيها بإصعادها للجمل حيث يُقال: (نخّ الجمل قومي اركبي يا نايفة، و الخيل عطشى و الأصايل واقفة. قالت لا ما بركب على جملكم، حتى يجي بيّي كبير الطّايفة).
و يتابع الأخرس: “هنا تبلغ الحماسة ذروتها و تبدأ إحدى أشهر الردّيات التي تتميز بها بعض المحافظات السورية وهي (ياحلالي و يامالي) التي يقومون بواسطتها بوصف العريس و العروس”.
حيث يقال في وصف العروس: “هالبنت الجاي من بعيد تمشي مشيتها هدية، فيردد الحاضرون يا حلالي و يا مالي، وجهها يشبه القمر مدوّر متل الصينية، يا حلالي و يا مالي، و عيونها عيون الغزلان هالشاردة عالميَّ، يا حلالي و يا مالي، و الخد يا تفاح الشام، كول و ما لك منيّة، يا حلالي و يا مالي، و تمّا يا خاتم سلمان من عند الجوهرجية، يا حلالي و يا مالي”.
و تابع الأخرس: ثم تذهب العراضة مع العروسين إلى منزلهما وعندما تقوم العروس بلصق الخميرة على باب المنزل أو كسر كأس يُقال عدّاوية (أم العريس زلغطي و لالي هذا العريس يا زين الرجالِ، جاتك كنِّة يا بدر الهلالِ) و هنا تشتعل “الزلاغيط” من قريبات العريس احتفالا و ابتهاجا بالفرح”.
ختاماً تمنّى ماهر الأخرس عبر تلفزيون الخبر من القيّمّين على الشأن الثقافي رعاية هذا الموروث الشعبي و تدوينه و أرشفته، فمن منّا لا يتمنّى أرشفة الفرح الذي نفتقده و نتمنّاه جميعاً.
حسن الحايك_تلفزيون الخبر