“كراكوز و عيواظ”.. من مفردات الذاكرة الساخرة والمتمردة
تُصنَّف الصحافة الساخرة و تُعرَّف في أحد أوجهها بأنها إحدى الفنون التي تكون ذات قوة و فاعلية وبالتالي فهي تسعى لامتلاك القدرة الكافية على تسليط الضوء على أوجه القصور في المجتمع والسلوكيات البشرية.
و من هذا المبدأ كانت المحاولات قديماً لتمثيل هذه الفكرة على أرض الواقع فكان ما يُسمى مسرح الظل أو “كراكوز و عيواظ”.
و كانت تُعتبر من وسائل التسلية قديماً لدى العامّة يتابعها الجميع لمعرفة الأخبار بطريقة لا تخلوا من الطرافة و الحزن على الواقع بذات الوقت.
يقول السبعيني الحمصي محيي الدين سليمان لتلفزيون الخبر: “كراكوز و عيواظ” هما شخصيتان افتراضيتان و على أساس حواراتهما كان يتم طرح المشكلات السياسية والاجتماعية و تسليط الضوء عليها بشكل ساخر.
و يتابع سليمان: كان “الكراكوزاتيين” و هو الاسم الشعبي لمخايلي الظل يعرضون أعمالهم كل يوم في مقاهي حمص التراثية مثل مقهى الفرح ” وغيره من المقاهي الحاضرة في الوجدان الحمصي.
و ذكر سليمان: أن مسرح خيال الظل هو عبارة عن رف خشبي يعلوه ستارة من القماش و يتوسطه قطعة من “قماش الشيفون الأبيض”، يوضع خلفهم سراج يُنار بالزيت، و يقف “الكراكوزاتي” خلف الستارة يحمل بيده عصا رفيعة يحرّك بها دمى “كراكوز و عيواظ” ثم يتكلّم الرجل بصوتين مختلفين و يبدّل صوته حسب الحوار بين الشخصيتين.
و لفت سليمان إلى أن الناس كانو يجتمعون مساء كل يوم حيث تزدحم المقاهي بروادها و يجلس الشبّان في الصف الأول، و في الصف الثاني يجلس كبار السن و هم يشربون نرجيلة “التنباك” متلهفّين للأخبار الساخرة التي سيتطرَّق لها “كراكوز و عيواظ”.
بينما يقول الأكاديمي جميل اسعد لتلفزيون الخبر: أساس التفاعل بين “كراكوز و عيواظ” هو التناقض حيث يمثّل “كراكوز” الشخصية الأمّية المشهورة بصراحتها المطلقة بينما “عيواظ” يمثّل الشخصية المثقّفة الذي يفاجأ بأسئلة “كراكوز” الصريحة و المنطقية و يحاول إيجاد تعليل لها.
و يتابع الأسعد: تاريخ مسرح الظل و تحديداً “كراكوز و عيواظ” غير معروف و مجهول بشكل عام و لكن إحدى القصص المشهورة التي يتداولها العامة و بعض المؤرخين أن أحد السلاطين العثمانيين أمر ذات يوم بقطع رأسي الدميتين “كراكوز و عيواظ” لما تمَّ اعتباره إساءة للسلطنة العثمانية”
وأضاف “شكّلت هذه الحادثة استياءً عند الناس لأن “كراكوز و عيواظ” رغم أنهما شخصيتان افتراضيتان و لكنهما تمثيل للواقع بأشد تفاصيله.
و ختم الأسعد: حالياً اندثر مسرح الظل نتيجة اختلاف ظروف الحياة التي برزت بشكل واضح خاصة مع ظهور التلفزيون و لكن يبقى مسرح الظل هو إحدى المحاولات الأولى للتمرّد على عادات المجتمع السوداوية و إحدى أهم التجارب في تسليط بقعة ضوء على استياء الناس و تعبير عن غضبهم و وجهة نظرهم تجاه القضايا المطروحة.
حسن الحايك_تلفزيون الخبر