الحُب بنبض سوري.. شعراء سوريون نظموا قصيدة الحُب بطرقهم الخاصة
اعتقد الإغريق قديماً أن البشر في الأصل كانوا بأربعة أيدِ وأربعة أرجل و رأسين لكن زيوس كبير الآلهة فصلهم عن بعضهم وإلى اليوم كل إنسان يبحث عن نصفه الآخر.
وعاش الإنسان عبر مختلف العصور يبحث عن الحب ويطارده ويستعين به لتجاوز ما يواجهه من مصاعب مؤمناً أن استقرار الجانب الروحي هو الأساس لاستقرار كل جوانب الحياة.
وطوع الإنسان ملكته الأدبية للتعبير عما تكمنه النفس البشرية من أحاسيس حيث دأب الأدباء على صوغ مشاعر الحب والشوق والعتاب والفراق وإلى ما هنالك من مشاعر في القصة والرواية والمسرح والشعر.
وكان للشعر العربي بشكل عام ورواده السوريون على وجه الخصوص بصمات مهمة في ترجمة مشاعر الإنسان لكلمات وقصائد تبوح بطريقة صادقة وناضجة عن التقلبات العاطفية بأسلوب يلامس جوارح كل من يقرأها.
ونستعرض في هذه المادة 3 نماذج لشعراء سوريين من مراحل زمنية ومدارس شعرية مختلفة تحدثوا عن الحب بقصائدهم وصوروه بأعذب حله.
عمر أبو ريشة 1910-1990
شاعر سوري يعتبر من أهم شعراء العصر الحديث في الوطن العربي، ولد في مدينة منبج، وتلقى تعليمه الجامعي في بريطانيا وألف خلال حياته الكثير من الدواوين الشعرية في حب الوطن والمرأة باللغتين العربية والإنكليزية، وتولى أبو ريشة خلال حياته عدة مناصب دبلوماسية هامة.
وأحب أبو ريشة خلال تواجده في بريطانيا فتاة اسمها نورما، ولكنه أصيب بمرض “النكاف”، فسهرت نورما على رعايته حتى شفائه، وبعدما شفي من المرض، قرر الرجوع إلى سوريا كي يستأذن عائلته في الزواج من نورما، ولما عاد إلى إنكلترا، اكتشف أن نورما أصيبت بذات المرض، غير أنها لم تنجُ منه وتوفيت بسببه.
وخلّد أبو ريشة قصة حبهما في قصيدة اسمها “خاتمة الحب” حيث وقف يخاطب نورما ويتغزل بها دون أن يصدق أنها ماتت “طوقيني بساعديكِ فلا خـوفَ علينا مـن أعين العذَّالِ/ما أرى الموت مطفئاً شعلةَ الحُسْـنِ ولا بالمزيل سحر الجمالِ/جفنكِ اليوم مثل جفنكِ بالأمْـسِ كساهُ الفتور تيم المثالِ/فكأن الإغماضَ فيـه نعاسٌ أو حياءٌ أو نشوةٌ من دلالِ”.
ورسم أبو ريشة في قصيدة “قالت مللتك” مشهدية شعرية بينه وبين حبيبته التي طالبته بهجرانها وكيف كان حاله بعد خروجه من عندها ليلاً وماذا حدث بعد ذلك في الطريق بأسلوب سينمائي يُقحم القارئ في الحدث مباشرةً.
وقال “وسرت في وحشتي والليل ملتحف بالزمهرير وما في الأفق ومض سنا/ولم أكد اجتلي دربي على حدس وأستلين عـليه المركب الخشنا/حتى سمعت ورائي رجع زفرتها حتى لمست حيالي قدها اللدنا/نسيت مـا بـي هـزتني فجاءتها وفجرت مـن حناني كل ما كمنا/وصحت يـا فتنتي ما تفعلين هنا البرد يـؤذيك عودي لن أعود أنا”.
عمر الفرا 1949-2015
شاعر سوري ولد في تدمر ومنذ سن مبكرة كتب الشعر الفصيح والعامي البدوي الذي اشتهر به لاحقاً وتميز بأسلوب إلقائه وعمل بالتدريس لمدة 17 عاماً قبل أن يتفرغ لكتابة الشعر الثوري والعاطفي.
وتعرف الجمهور على الفرا شاعراً عاشقاً يرصد الحب في قصائده بلهجة بدوية سلسة وأداء محبب مثل “ليتها شي مره تطلب وليتني أقدر ألبي/حتى لو عيني اليمين حتى لو شريان قلبي/..وحدها احتلت أفكاري ومحت صورة جميع الناس/..بريق عيونها زلزال خسى ريختر إذا ينقاس”.
وللفرا العديد من قصائد الحب باللغة الفصحى منها “حدثتني عيناك سبع لغات يعجز الشعر عن حديث العيـون/..رب سهم بنظرة منك يغزو جيش فتح الإسكندر المقدوني/..فتعالي ومزقي وجه حزني وأقلقي هدأتي وفكي سجوني/..أنت أمر مقدر لوجودي كيفما شئت بعد هذا فكوني”.
إياد شاهين 1967-2013
ولد شاهين في دمشق، ورحل وفي رصيده مجموعة شعرية يتيمة بعنوان “كورتاج” التي صدرت عام 2003، وأعيدت طباعتها في 2008، ولقيت هذه المجموعة احتفاءً كبيراً بين المهتمين بالشؤون الأدبية وخصوصاً الشباب، وتم الإستعانة باقتباسات منها في العديد من النصوص المسرحية.
وصوّر شاهين عاطفة الحب بلغته الخاصة التي عُرف بها حيث قال في نص “حب” من ديوانه الوحيد “حَدثَ مرةً ثانيهْ، صوتُ ابتسامةٍ صغيرهْ، رعشةُ غيمةٍ مسّها نيزكٌ ينتحرْ، دُنّوُ خاتمٍ من الماءْ، تودّد المستحيلْ، دار زرُّ القميص دورةً كاملهْ، انزاحتِ السماء شمالاً، بكَتْ بقعةٌ على الحائطْ، غطّينا وجهينا بوجهينا”.
وعن انتظاره الطويل لحبيبته طرح شاهين عبر نص “سؤال أخير” ما يخالجه من مشاعر “كمْ وردةِ يبستْ على كفِّ انتظاري ولم تذبلي على كفِّ الخيالْ/كمْ زورقٍ من الكلماتِ ماتَ على الرمالْ/لم تجيئي/فكيفَ أصدِّقُ الآتي مرةً أخرى/وأغفر للمحالْ”.
وعبّر شاهين عن ولهه بأنثاه من خلال جمل شعرية دأب محبوه على تناقلها لجمالها وسلاستها مثل “لا يوجد أجمل منكِ غيركِ في الذاكرهْ” و”يا ليتني وجعَكْ لكي أدعكْ” و”لم يكن للبحر موجٌ حتى مشتْ قربه حافيه”.
يذكر أن هناك العديد من الشعراء السوريين اللذين لمعوا على مستوى الوطن العربي في كتابة الشعر بكل تبويباته وخصوصاً شعر الحب والغزل وعلى رأسهم نزار قباني وبدوي الجبل.
جعفر مشهدية- تلفزيون الخبر