بعد أن ودّعت “عصر الطرابيش”.. مكتبة عريّف تتمسك بالأيام الأخيرة للصحف الورقية
على حبال بلاستيكية، يعلق “أبو محمد” مجموعة من الصحف والمجلات بملاقط غسيل، ويجلس في مكتبته الصغيرة في شارع هنانو وسط اللاذقية يراقب الأيام الأخيرة للصحف الورقية.
ورث “أبو محمد” الدكان عن أبيه، بعد أن حوله والده إلى مكتبة مع اندثار “عصر الطرابيش”، حيث كان هذا الدكان أحد أشهر محلات صناعة الطرابيش في اللاذقية.
يقول “أبو محمد”: ” كان يقضي أبي وقته بين الطرابيش في هذا المكان منذ سنة ١٩٣٣ حتى الخمسينيات، كانت تشتهر اللاذقية بصناعة الطرابيش، فالطربوش الأحمر مع الشرابة كان من أساسيات الهندام أيام زمان”.
يضيف صاحب الـ 76 عاماً خلال حديثه إلى تلفزيون الخبر “كان الرجال المهمون والأفندية والبرلمانيين والمحافظين والتجار يضعون الطرابيش، ولكل مركز في الدولة طربوشه الخاص به من ناحية الطول والشرابة (الشباشيل أو الشرشوبة)، كان أرخص طربوش ب ٦ ليرات”.
يدور “أبو محمد” بناظريه في دكانه الصغير، ويقول ” في الخمسينيات باع أبي آخر طربوش أحمر لأفندي تسلم منصب نائب رئيس مجلس الوزراء في يوم من الأيام، ليقوم فيما بعد بتحويل هذا الدكان إلى مكتبة لبيع الصحف والمجلات، حيث بطلت موضة الطربوش”.
بدأ “أبو محمد” العمل في المكتبة أوائل الستينيات، حيث شهد خلال عقود عمله تقلبات سياسية مختلفة، يشرح قائلاً “أذكر أيام الوحدة ومن ثم الانفصال، أيام النكسة، وأيام حرب تشرين اللي رجعتلنا كرامتنا، وأذكر الناس الذين كانوا يقفون أمام المكتبة ينتظرون الجرائد”.
يقارن “أبو محمد” بين عصرنا الحالي حيث تنتقل الأخبار والمعلومات خلال ثواني من دولة إلى أخرى وبين تلك الحقبة الزمنية “كانت تستغرق الصحف التي تصلنا من دمشق وبيروت حوالي يوم، والصحف التي تصلنا من مصر كانت تستغرق يومين حتى تصلنا”.
يشير صاحب المكتبة إلى الحبال المعلقة على واجهة محله، ويقول “علّقنا على هذه الحبال صحف من الخمسينيات إلى يومنا هذا، مثل الأسبوع العربي، الحوادث، المستقبل، الصياد، روز اليوسف، صباح الخير، آخر ساعة، الهلال، الأهرام، الجمهورية، السفير، الشرق، الحياة، تشرين، البعث، الثورة وصولاَ إلى الأبراج اليومية”.
لم تكن هذه المكتبة مقصداً للسياسيين فقط، أو للمهتمين بالأخبار والتطورات السياسية، فقد كانت تستقطب أيضاً مختلف الشرائح، حتى الباحثين عن أخبار فنية وبعض صور الفنانين، يقول “ابو محمد”: “كان يجينا زباين يشتروا مجلات الشبكة والموعد ويحملوا حالن ويروحوا”.
عن أوضاع مكتبته الحالية بعد انتشار وسائل الإعلام الحديثة والتراجع الكبير في الصحف الورقية والمجلات، يشير “أبو محمد” إلى آلة طباعة صغيرة في مكتبته ويقول “لم يبق في هذه المكتبة سوى آلة طباعة وشوية مجلات، والدي ودّع الطرابيش وأنا عم ودّع الجرايد والمجلات”.
شذى يوسف- تلفزيون الخبر- اللاذقية