“أبو المسارح” .. حكاية أبو خليل القباني من يا “مال الشام” إلى شيكاغو
أبو خليل القباني هو أحمد أبو خليل بن محمد بن حسين آغا أقبيق، رائد المسرح الغنائي العربي، وهو عم والد الشاعر السوري الكبير الراحل نزار قباني.
وأحد أجداد أبو خليل القباني هو “شادي بك آقبيق” الذي بنى مدرسة “الشابكية” للعلوم الدينية بدمشق، وأوقف لهما أوقافَ حي القَنَوات بأجمعها.
ولُقِّب في عهده “بالقبَّاني” لأنه كان يملك قبّان باب الجابية، نسبة إلى القبابين التي كانت بذلك الزمان ملكاً لفريق من العائلات في كل حي من أحياء دمشق.
وأُعجب أبو خليل القباني في بداياته بالعروض التى كانت تقدم في مقاهى دمشق، مثل الحكواتي ورقص السماح، وكان يتابع نواة موسيقى “ابن السفرجلاني”، وتلاقى مع الفرق التمثيلية التى كانت تمثل وتقدم العروض الفنية في مدرسة العازرية في منطقة باب توما بدمشق القديمة.
وقدم القباني أول عرض مسرحي خاص به في دمشق عام 1871، وهي مسرحية “الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح”، ولاقى استحسان الناس واقبالاً كبيراً.
وقدم في سنواته الأولى حوالي 40 عرضاً مسرحياً وغنائياً وتمثيليات، واضطر للاستعانة بصبية لأداء دور الإناث في البداية، ما استنكره المشايخ الذين شكوه لوالي دمشق.
ويعود الفضل لأبي خليل بنقل الأغنية من التخت الشرقي ووضعها على المسرح التمثيلي، فأصبحت الأغنية بذلك جزءاً من العرض المسرحي.
واستمد القباني مسرحياته، التي يبلغ عددها ثلاثين مسرحية، من التراث العربي والتاريخ الإسلامي، فيما عدا مسرحية واحدة، هي مسرحية “متريدات” التي ترجمها عن الفرنسية للكاتب الكلاسيكي الشهير راسين.
وكان القباني في الثلاثين من عمره استكمل معرفته بالمسرح التركي واللبناني، وظهرت براعته في التلحين والغناء ورقص السماح، وألف مسرحيته “ناكر الجميل”، التي جمع فيها بين ألوان التمثيل والغناء والموسيقى.
واستمر القباني في التأليف والاقتباس، مستمداً موضوعاته من تراث العرب القدامى في القصص الشعبي، وترجم واقتبس في لبنان وفي تركيا من روائع المسرح الغربي.
وكان بعض معارضيه وشوا به إلى السلطان عبد الحميد، وأوهموه أنه يفسد النساء والغلمان، وينشر الفسق والدعارة، فأمر السلطان بإغلاق مسرحه، فرحل إلى مصر، وأسهم مع زملائه اللبنانيين في نشاط المسرح المصري المزدهر في ذلك الحين.
وتتلمذ علي يد القباني وفرقته المسرحية أهم أعلام المسرح العربي، وفي دمشق مازال المسرح المعروف باسمه “مسرح القباني” قائماً في شارع 29 آيار حتى اليوم.
من أهم مسرحياته وأكثرها شهرة “هارون الرشيد” و”عنترة بن شداد” و”السلطان حسن” و” أبو جعفر المنصور”، وهي جميعها مسرحيات فيها جدة في الأسلوب، وطرافة في الحوار.
ومن أشهر أعماله، تأليف وتلحين أغنية (يا مال الشام)، التي رافقت الأجيال في سوريا إلى يومنا هذا ومطلعها:
“يا مال الشام يا الله يا مالي طال المطال يا حلوة تعالي
طال المطال و اجيتي عالبال ما يبلى الخال عالخد العالي”.
وشكلت رحلة أبي خليل القباني إلى معرض شيكاغو الكولومبي في العام 1893، فرصة رائعة لدراسة وفهم واحدة من أندر تجارب التفاعل الثقافي المباشر بين منطقتي شرقي المتوسط.
وحملت الرحلة أبعاداً تاريخية بين الشرق والغرب، الذي كان ينظر إلى نفسها، منذ ذلك الوقت، بوصفها قمة هرم الحضارة في العالم
وفي سنواته الأخيرة دوّن أبو خليل القباني مذكراته، وتوفي في دمشق عام 1903 تاركاً أسس وبداية المسرح العربي.
وقال الراحل نزار قباني عن عم والديه “وراثيّاً، في حديقة الأسرة شجرة كبيرة.. كبيرة.. اسمُها أبو خليل القباني، إنّه عم والدي، خطيرة كانت أفكار أبي خليل، وأخطر ما فيها أنّه نفّذها، وصُلِب من أجلها”.
تلفزيون الخبر