كورونا في سوريا..هكذا كانت مسيرة “الضيف الثقيل” في 2020
حلّ العام 2020 على الكرة الأرضية ضيفاً ثقيل الظل، بما حمله من مصائب وكوارث، جعلت منه عاما تاريخياً في سوداويته.
ولم يشأ العام الذي حل كبيساً ب 29 يوماً في شهره الثاني، أن يأتي وحيداً كضيف ثقيل الظل فقط، بل جلب معه فيروساً شغل العالم بأسره، ومازالت البشرية تحاول مواجهته بشتى الوسائل، لتغدو “كورونا” الكلمة الأكثر تداولاً في 2020.
وزار الفيروس معظم دول العالم غربها وشرقها، مغلقا البلاد، ومهاجماً القطاع الصحي وضاغطاً عليه، وشالاً للحركة الاقتصادية والاجتماعية في مختلف أرجاء الأرض.
السوريون يتعرفون على الفيروس
وبدأ السوريون يتداولون أخبار الفيروس بعد تفشيه في الصين وانتقاله إلى دول أخرى، وتحوله تدريجياً خبراً أساسياً في وسائل الإعلام، وذلك في الفترة ما بين أواخر كانون الثاني وأوائل شباط.
ووضع السوريون قلوبهم على أيديهم في شباط مع توارد أنباء عن تسجيل الجارة لبنان أول حالة إصابة بكورونا لديها، لتبدأ معها رحلة الشائعات عن تسجيل إصابات في سوريا، والتي غزت منصات التواصل الاجتماعي.
واضطرت وزارة الصحة السورية في الفترة مابين شباط وآذار أن تنفي مراراً تسجيل أية إصابة في البلاد، مؤكدة أن نتائج جميع الحالات المشكوك بإصابتها سلبية، وبعضها تعاني من مرض “ذات الرئة”.
أولى إجراءات الوقاية
مع تسارع انتشار الفيروس في الدول المحيطة بسوريا، وجنوح معظم دول العالم لاتخاذ اجراءات احترازية للوقاية من انتشار كورونا، قرر مجلس الوزراء في 8 آذار تعليق الرحلات مع كل من العراق والأردن لمدة شهر ومن الدول التي أعلنت حالة الوباء لمدة شهرين.
وبعد أيام أعلن عن إيقاف النشاط الرياضي في البلاد، ثم قرر مجلس الوزراء في 13 آذار تعليق الدوام بالمدارس والجامعات، وتخفيض حجم العاملين في القطاع الإداري إلى حدود 40%، وتخفيض ساعات العمل واقتصارها على الفترة الممتدة من 9 صباحا حتى 2 ظهرا.
سوق سوداء للمعقمات
ومع القرارات الأولى، اتجه السوريون لتموين مستلزماتهم من وسائل الوقاية، وكادت البلاد أن تشهد أزمة معقمات وكمامات حيث دخلت زجاجات “السبيرتو” ميدان السوق السوداء، وبيعت بأسعار غير مسبوقة، في ظل انقطاعها، والحاجة إليها.
واتخذت بعدها قرارات عدة لمواجهة الوباء، كمنع تقديم الأراكيل في المقاهي، وتعليق الصلوات في المساجد والكنائس، وإغلاق المحال التجارية باستثناء الصيدليات ومراكز بيع المواد الغذائية، وصولاً لإيقاف كل وسائل النقل الجماعي العام والخاص داخل المحافظات، وإيقاف وسائل النقل الجماعي العام والخاص بين المحافظات، وإيقاف العيادات والعمليات الباردة في المشافي.
الإصابة الأولى وحظر التجول
شهد الثاني والعشرين من آذار 2020 تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في سوريا، بحسب ما أعلن حينها وزير الصحة نزار يازجي، بتصريح مقتضب على عجالة، تلاها بثلاثة أيام تسجيل ثلاث حالات أخرى، ليتبعه قرار تاريخي بتطبيق حظر التجول في البلاد.
وفي الخامس والعشرين من آذار بدأ تطبيق حظر التجول الجزئي في سوريا، من السادسة مساءً وحتى السادسة صباحاً، للوقاية من انتشار فيروس كورونا، بالتزامن مع قرارات بإغلاق الأفران، وحظر الانتقال بين المحافظات، لتعيش سوريا أياماً استثنائية، لم تمر عليها حتى في أعتى ظروف الحرب.
وسجلت سوريا أول حالة وفاة بسبب كورونا في 29 آذار، فيما سجلت أولى حالات الشفاء في الرابع من نيسان، ودخل مصطلح الحجر الصحي الاستخدام لأول مرة في تلك الفترة بالنسبة للسوريين العائدين من الخارج، والذين تم وضعهم في مناطق عزل متفرقة لمدة 14 يوم، ومارافق هذه الفترة من تسريب فيديوهات من مقرات الحجر، تحدث فيها النزلاء عن سوء الخدمات والطعام وغيرها.
وأقرت الحكومة صرف تعويض نقدي للأسر التي توقفت أعمال أربابها، جراء الاجراءات الإحترازية المتخذة للوقاية من انتشار الفيروس، من عمال مياومين، وأصحاب مهن حرة، قبل أن تسمح تدريجياً مع دخول شهر رمضان، بافتتاح المحلات التجارية، وفق جدول يحدد لكل مهنة يوما محددا تفتح فيه محالها، قبل السماح بعودة النشاط التجاري بشكل كامل.
ومع آخر أيام عيد الفطر رفعت الحكومة السورية حظر التجول الجزئي الذي فرض سابقاً، بالتزامن مع تسجيل سوريا لإصابات متزايدة بفيروس كورونا، حيث تخطت الاصابات حاجز المئة إصابة الأولى مع أواخر أيار.
إصابات يومية..وسائق رأس المعرة
ومع دخول شهر حزيران باتت سوريا تسجل يومياً إصابات جديدة بكورونا، على عكس الأشهر السابقة، ودخلت بلدة رأس المعرة في عزل صحي كامل عن باقي المدن المحيطة بسبب انتشار الوباء فيها، لتكون ثالث بلدات سوريا التي تخضع لعزل مماثل، بعد بلدتي منين والسيدة زينب.
وفرض العزل على رأس المعرة بسبب سائق الشاحنة الشهير الناشط على خط الاردن سوريا، والمتسبب بإصابته بالفايروس بنقل الوباء إلى البلدة، بسبب ما قيل أنه أقام حفل زفاف لأحد أبنائه، قبل أن ينفي السائق الشهير قصة العرس، التي كانت إحدى أبرز “تريندات” 2020.
وكان شهر تموز مفصليا في مسار كورونا في سوريا، حيث بدأ المرض يتفشى في دمشق وريفها، وتداول السوريون في أواخر الشهر السابع صوراً مؤلمة لمشافي دمشق وهي تغص بالمصابين، ومشاهد للازدحامات على مكاتب دفن الموتى، ليحل عيد الأضحى حزيناً على السوريين بسبب ما أطلق عليها.
المدارس: “نفتح او ما نفتح”
فيما تصدر جدل افتتاح المدارس المشهد في شهر آب، وسط تخوف من الأهالي والطلاب من التجمع في المدارس وغياب العناية الصحية الدقيقة في المشفى، وتمسكت وزارة التربية بقرارها بالافتتاح، على الرغم من تأجيل بداية العام الدراسي من 23 آب حتى منتصف إيلول.
وبدأت الحالات المكتشفة رسمياً تنخفض في أيلول، وافتتحت المدارس وفق بروتوكول صحي تعطل فيه أي شعبة بحال إصابة أحد تلاميذها بالوباء لعدة أيام، وبات الفيروس في سوريا في الشهر التاسع، غائباً حاضراً.
وشهد الشهر الخريفي تراخيا غير مسبوق من قبل السوريين والقائمين على تطبيق الاجراءات الاحترازية، في الالتزام بمعايير الوقاية والنظافة والتباعد المكاني، فحضرت الأركيلة رغم منعها، وغابت الكمامة بشكل شبه كامل عن شوارع سوريا.
ومع دخول الخريف رسمياً في تشرين الأول بدأت الدعوات للتنبه والوقاية من الموجة الثانية لفيروس كورونا، خاصة وأن الخريف عموماً هو موسم الزكام والأمراض التنفسية، وهو ما بدأ يتجلى هذه المرة في عموم سوريا، وليس فقط في دمشق كما الموجة الأولى.
بداية الموجة الثانية
وعاد الطلب في شهر تشرين الثاني على المعقمات والكمامات، وبات واضحا أن سوريا دخلت في الموجة الثانية من انتشار الفيروس، وسط اجراءات احترازية خجولة، وتهرب من فكرة معاودة الإغلاق الجزئي، والذي طبقته دول مجاورة مجدداً، بحجة أن البلاد تعاني أزمة اقتصادية، ولا يمكن معاودة الإغلاق كما حدث في الربيع.
ومع دخول الشهر الأخير من العام 2020، أعلنت وزارة الصحة الانتقال لتطبيق خطة الطوارئ في عموم المشافي السورية بسبب انتشار الفايروس، وطلبت من المستشفيات معاملة أي حالة مشتبهة باصاباتها بالفيروس، على أنها إصابة مؤكدة.
وتوالت أخبار وفيات أطباء من الكوادر الطبية في البلاد لإصابتها بالفيروس بشكل شبه يومي، وتخطت سوريا في كانون الأول حاجز المئة إصابة في يوم واحد، وباتت تسجل أكثر من مئة إصابة يوميا بالفايروس.
وأمام هذا الواقع الصعب، اضطرت الحكومة لمعاودة تطبيق بعض الاجراءات الاحترازية، كفرض ارتداء الكمامة في الأسواق والدوائر الحكومية ووسائط النقل، والإعلان عن تشديد قرار منع تقديم الأراكيل، ومنع ترخيص الحفلات الفنية في المطاعم.
إلا أن تطبيق القرارات لم يكن متشدداً، ومازالت الكمامة خياراً للسوري وليست إلزاماً عليه، وماتزال تقام التجمعات في الملاعب ودور العبادة وعلى طوابير الخبز، وفي وسائط النقل، وفي ساحات الاحتفال بأعياد آخر العام.
12 ألف إصابة
ومع وداع هذا العام قاربت محصلة الإصابات المكتشفة في سوريا رسميا حاجز ال12 ألف حالة، فيما توفي بسبب الفيروس قرابة 700 حالة، وتخطى عدد حالات الشفاء بحسب بيانات وزارة الصحة حدود ال5000 حالة، وبدأ الحديث في سوريا عن اللقاح المرتقب وموعد تسليمه، وعن إمكانية وجود ما سمي “سوق سوداء” له.
ويأمل السوريون مع بداية 2021 أن تكون هذه “البانوراما الاستثنائية” الأولى والأخيرة حول هذا المرض الذي حل على البشرية، وأن تكون أخبار كورونا، مجرد فقرة في حصاد العام 2021، يتحدث فيها الجميع عن نهاية انتشار المرض في البلاد التي انهكت بسبب الحرب و والحصار والغلاء والوباء.
تلفزيون الخبر