أحفاد المغترب وأجداد الوطن.. بين الحنين ورغبة اللقاء
يستيقظ في كل صباح، الجدان “هاشم” و “علا” للاتصال بحفيدتهما “ليان” ابنة العام والنصف، في بلادها البعيدة، “روتين” الاتصال الصباحي غدا جزءاً من يومهم، لا يختلف عن فنجان قهوتهم، وصلاتهم، وعملهم، في رغبة بأن تشبع مكالمات الفيديو جزءاً من منزلتهما كجد وجدة، للحفيدة الأولى في بلاد المغترب.
هذان الجدان، والآلاف غيرهما، ممن فرقتهم الحرب عن أبنائهم، ثم أحفادهم، اختصروا حنينهم واشتياقهم، بالصور، والفيديو، والمكالمات المصورة، لعلها تشعرهم بالمشاركة في اللحظات الأولى من كل شيء لفرد جديد انضم إلى العائلة، الخطوة الأولى، الكلمة الأولى، والملابس الجديدة، وردات الفعل الطفولية على أي حدث أو شخص.
يقول “هاشم”، لتلفزيون الخبر، عن “ليان” التي قابلها مرة واحدة بعد ولادتها بأشهر، إنها “أغلى وأجمل كائن في العالم، فهذا التعلق بطفل يخص العائلة، ليس باليد، وكما قال أهل الزمان السالف (ما أغلى من الولد، إلا ولد الولد)”.
أما “علا” تستذكر، على حد قولها “حركات ابنتها، بحفيدتها، وكأن الزمان يتكرر مجدداً في هذه الروح الصغيرة”، مضيفة أن “تقنيات الاتصال خففت علينا من الاشتياق واللهفة لحفيدتنا، وفي اليوم الذي لا أتحدث فيه معها، أشعر وكأنها لم تزرنا في منزل العائلة، كما من المتفرض أن يكون الحال، بين بيت “الجد”، والأحفاد”.
ويضيف “هاشم”، أن “اللقاء الحقيقي حين تكون بيننا، هو الواقع ولا شيء سواه من الممكن أن يشعرني أني أحمل وأضم، وألعب مع حفيدتي مهما اختصرت الاتصالات اليومية من هذا الحنين”.
الأبناء يحلمون بزيارة أبنائهم لمنازل “الجد” و”الجدة”
ترى رولا، وهي أم ثلاثينية، تقيم في ألمانيا، أن طفلها (آدم) ابن السنوات الخمس “محروم من لذة زيارة منزل جدته وجده، والديها، ووالدا زوجها”.
وتقول إنه “لزيارة الجدين نعمة لم يعرفها ابني بسبب ظروف الاغتراب، لمة العائلة، واللعب مع الأحفاد الآخرين، اللعب مع الجدين، والحصول على حصته من الدلال، تفاصيل لم يعرفها ابني للأسف”.
وتضيف “رولا” لتلفزيون الخبر إن “منزل الجدين يعلّم قيماً مختلفة عن تلك التي يكتسبها في المنزل، وبعيدة عن توجيهات الأم والأب، بل يتلقاها بطريقة سلسلة منهما، من شخصين يحبهما ويشعر برابطة معهما لن يعيشها مع أي شخص آخر غيرهما”.
وبالنسبة لرولا، فإن أكثر ما تخشاه في غربة ابنها عن منزل الجدين، هو “عدم إمكانية تعرفه على الثقافة التي جاءت منها هي وزوجها، تقاليد الاجتماع على السفرة، أجواء العيد والتعرف على العائلة الكبيرة، خاصة وأنه سيكبر في بلد مختلف في ثقافته وعاداته”.
وأشارت “لا أقصد أن ثقافة ألمانيا ليست مناسبة لابني، لكني أحب أن يتعرف على كل هذه الثقافات ويكون حياة خاصة فيه، تجمع كل ذلك سوية”.
وطن بلا أجداد
لم يغادر “محمود” سوريا خلال الحرب، بل تزوج، وأنجب طفليه يوسف، ويارا في دمشق، لكنه يأسف أنهما لم يلتقيا بجدتهما إلا مرتين في إجازتين منفصلتين، حين زارها في منزل ابنها في الإمارات.
ويقول لتلفزيون الخبر، إن ولديه “لم يلتقيا والدي، أي جدهما أبداً، حيث توفي قبل زواجي بسنوات، أما جدتهما، فشاءت الظروف أن تعيش مع أخي، خارج سوريا، وتعرفا عليها في إجازات قصيرة، وبقية سنينهم يحدثونها هاتفياً”.
ويردف “محمود”، “أحمد الله أن والدي زوجتي لازالا في دمشق، ليعرف ولداي معنى أن يكون هناك “جد”، و”جدة” يرعانهما ويحبانهما، ويواظبان على زيارتهما كل يوم جمعة”.
وفوجئ “محمود” أن ولديه “تعلقا بجدتهما بشكل جنوني عند زيارتها، لم أعلم أن مكالمتهما المستمرة معها، خلقت هذه الألفة لديهما، فحين زاروها للمرة الأولى، كانا بعمر 5 و3 سنوات، لكنهما يعيان تماماً أنها جدتهما، مثلها مثل جدتهما لأمهم التي يزورونها على الدوام”.
ويتابع “وددت أن تراهما يكبران أمامها، وأن يتعلما منها قيماً أسعى على الدوام أن أنقلها لهما، من خلال قص الحكايات على الدوام، عن كيف كانت تربينا، ومواقفنا سوية في منزل والدي حين كنا أطفالاً”.
وفرقت الحرب في سوريا العائلات عن بعضها البعض، مخلفة شتاتاً لم تتمكن من اختزاله تقنيات الفيديو، ولا الرسائل في أزمنة سابقة، ليعيش الأجداد والأحفاد على أمل اللقاء يوماً ما، وإشباع الحنين والاشتياق الدائمين.
لين السعدي – تلفزيون الخبر