من أبناء اللواء: “روائي البحر” و”شاعر الطفولة” و”مؤسس البعث” وصاحب “الله والفقر”
هناك العديد من الأدباء والمبدعين السوريين الذين خرج أهلهم مُرغمين من لواء اسكندون، لكنها لم تخرج منهم، بل ظلت حاضنتهم الوجدانية، نهلوا منها الكثير، وجعلوها مرجعيَّةً لهم، حنيناً وذاكرة ونبع إبداع.
من أبرز أولئك المبدعين اللوائيين: روائي البحر “حنا مينة”، وشاعر الطفولة “سليمان العيسى”، وصدقي اسماعيل صاحب رواية “الله والفقر” التي استلهم منها مسلسل “أسعد الوراق”، و”زكي الأرسوزي” مؤسس حزب البعث.
“حنا مينة” أبرز الأدباء الذين عاشوا رحلة الاغتراب المريرة عن لواء الاسكندرون، بعدما عاش طفولته في حي “المستنقع” ضمن إحدى القرى، لكن إثر ضم اللواء لتركيا عام 1939، عاد مع عائلته إلى اللاذقية حيث عمل حلاقاً.
انطلق من اللاذقية إلى سهل أرسوز قرب أنطاكية، مروراً باسكندرون، ثم اللاذقية من جديد، وبيروت، ودمشق، وبعد ذلك تزوج، وتشرد مع عائلته لظروف قاهرة، عبر أوروبا وصولاً إلى الصين، حيث أقام خمس سنوات، وكان هذا هو المنفى الاضطراري الثالث، وقد دام عشرة أعوام.
تنقل بين مهن عديدة إلى أن استقر مع الأدب، ونقل من خلاله معاناة الغربة ضمن الوطن، مُنكِّهاً رواياته ومقالاته بمناصرة الظلم، وتثوير الإنسان، وبناء ذوي المواقف المميزة.
يقول عن نفسه: “أنا كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين، فالكفاح له فرحه، سعادته، ولذّته القصوى، عندما تعرف أنك تمنح حياتك فداء لحيوات الآخرين، الذين قد لا تعرف لبعضهم وجهاً، لكنك تؤمن في أعماقك، أن إنقاذهم من براثن الخوف والمرض والجوع والذل، جدير بأن يضحى في سبيله”.
“سليمان العيسى” أبرز المغادرين أنطاكية، إنه من مواليد “النعيرية” ودرس في مدارسها، ووضعه المدير في الصف الرابع مباشرة، وحينها كانت ثورة اللواء العربية اشتعلت عندما أحس عرب اللواء بمؤامرة فصله عن سوريا.
شارك بقصائده القومية في المظاهرات والنضال القومي الذي خاضه أبناء اللواء ضد الانتداب الفرنسي وهو في الصف الخامس والسادس الابتدائي.
غادر اللواء بعد سلخه ليتابع مع رفاق الكفاح ضد الانتداب الفرنسي، وواصل دراسته الثانوية في ثانويات حماة واللاذقية ودمشق. وفي هذه الفترة ذاق مرارة التشرد وعرف قيمة الكفاح في سبيل الأمة العربية ووحدتها وحريتها.
وكان له دور كبير في تنمية الإحساس الوطني من خلال قصائده التي خصها للأطفال، فمازالت الأجيال تتغنى وتتذكر أناشيده التي تستنهض الجمال والتمسك بالهوية والأصالة.
“صدقي اسماعيل” ولد أيضاً في مدينة أنطاكية، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي فيها، لينتقل فيما بعد إلى حماة وحلب، ثم يستقر به المطاف في دمشق، حيث تخرج من دار المعلمين عام 1948، وعمل مدرساً، ثم درس الفلسفة ودبلوم التربية.
كتب “اسماعيل” في مختلف الأنواع الأدبية، داعياً إلى الحرية والحب والثورة، إلى الوفاء للقيم الإنسانية النبيلة، والرغبة في تغيير الواقع، والسعي نحو آفاق رحبة للإنسان العربي التواق للخلاص من نير التخلف والفقر.
وأدرك مؤسس مجلة “الكلب” الساخرة، في كتاباته الروائية والمسرحية والصحفية أن للكلمة الدور الأساسي في تكوين الوعي الجمعي والتنبيه للمخاطر بشتى أنواعها فهي خلاص الشعوب من واقعها المظلم، وهي الأيقونة الإنسانية التي ترقى بالفرد وتجسد وجدان الأمة.
وقدم اسماعيل في مجال الدراسات والنقد مجموعة مهمة من الكتب منها: “رامبو قصة شاعر متشرد”، و”العرب وتجربة المأساة”. وفي مجال الرواية والقصص كتب “العصاة” و”العطب”، و”الله والفقر”، وفي المسرح كتب “سقوط الجمرة الثالثة” و”الأحذية” و”أيام سلمون” وجمع مقالاته في “الينابيع”.
أما “زكي الأرسوزي” فانتقل مع عائلته من اللاذقية إلى أنطاكية، ومن بعدها إلى قونية في تركيا، ثم عاد إلى أنطاكية وعُيِّن مديراً لناحية أرسوز، ثم أوفدته الحكومة السورية لدراسة الفلسفة في جامعة السوربون، ليعود مُدرساً للفلسفة في مدارس القطر.
“الأرسوزي” أسس جريدة العروبة الحمصية، وطيلة حياته كان ينادي بالعدالة وحق العربي بالحرية وإلغاء التمييز من أي نوع، وأخلص للعروبة ونادى بالدفاع عنها.
كان لاقتطاع لواء اسكندرون من سوريا الأثر الكبير عليه، وأدت هذه الحادثة إلى ثورة الأرسوزي على فرنسا وتركيا، وقاد حملة لمقاومة التتريك في اللواء، ولاقت أفكاره صدى وتأييداً من المثقفين والطلاب في دمشق، وطرح اسمه كزعيم قومي استلهم البعث أفكاره منه.
تلفزيون الخبر